السؤال
لديَّ سؤال يتعلق بالحسد.
أنا شاب في عمر الثامنة عشر، أذهب إلى النادي الرياضي لممارسة رياضة كمال الأجسام، وفكرت في يوم من الأيام تصوير جلساتي وتماريني على الإنترنت؛ لكي أفيد الناس بما يتعلق بطريقة التمرين والأداء الصحيح، وبالطبع يوجد جانب مني يحمل بعض الخطط المستقبلية لتحقيق الربح من هذه الفكرة.
كنت قد بدأت البارحة في نشر صورة لي على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنا أقوم باستعراض الجزء العلوي من عضلاتي (ما فوق السرة فقط)، كنوع من الإعلان عن بداية النشر على صفحتي، ولكن قابلني والدي برد صادم على صورتي الشخصية، وقال إني عند نشر أي فيديو لي، أو صورة شخصية لي على وسائل التواصل الاجتماعي، فسأكون معرضا للحسد -عافانا الله وإياكم-. ونصحني بعدم نشر صور لي، أو مقاطع فيديو لكي لا أكون عرضة للإصابة بالحسد.
فهل الخوف من الحسد لهذه الدرجة شيء طبيعي؟
وهل يجب عليَّ التوقف عن فكرة نشر المقاطع، والصور الشخصية؛ لكي لا أصاب بعين، أو أكون عرضة للإصابة بالحسد؟
أنا على علم بالعديد من الأشخاص الذين ينشرون جلساتهم التدريبية على وسائل التواصل الاجتماعي في يومنا الحالي، لا أعلم كيف هي حياتهم، ولكن أعلم أنهم في عرضة للإصابة بالحسد أيضا، مثلهم مثل أي شخص، ولكن هل هذا يعني أنه يجب أن نعيش في خوف دائم من الحسد بدلا من أن نكون على يقين بأن الله -سبحانه- سوف يحمينا من كل شر؟ وأن علينا فقط أن نحصن أنفسنا بالمعوذات؟
وكيف يكون التصرف الصحيح في وضع مثل هذا؟ مع العلم أني أتمنى حقا من الله أن يوفقني في هذا المجال، وأن لا أشعر بخوف شديد في كل مرة أنشر فيها مقطعا لي.
وشكرا جزيلا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإخفاء بعض النعم عند خشية الحسد أو العين، هو من الأخذ بالأسباب التي لا تنافي التوكل على الله تعالى-، ولا سيما إذا لم يكن في إظهارها مصلحة.
فقد نهى نبيُّ الله يعقوبُ -عليه السلام- يوسفَ -عليه السلام- عن إخبار إخوته بالرؤيا خشية حسدهم له.
جاء في أحكام القرآن للجصاص ط العلمية: «قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً} علم أنه إن قصها عليهم حسدوه وطلبوا كيده. وهو أصل في جواز ترك إظهار النعمة وكتمانه عند من يخشى حسده وكيده، وإن كان الله قد أمر بإظهاره بقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11]. انتهى.
ولا يجوز إظهار النعم؛ اختيالا، ومباهاة، ومغايظة لمن فَقَد هذه النعم؛ فهذا مسلك مخالف للشرع، وصاحبه أهل لأن يُعاقَب بزوال النعمة بسبب الحسد والعين.
قال ابن هبيرة -رحمه الله- في الإفصاح عن معاني الصحاح: وقوله: (ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين) فالذي أرى في ذلك أن الأصل فيه أن الله -سبحانه وتعالى- خلق عباده ففضل بعضهم على بعض كما شاء، والمفضول يعرضه الحسد، والمتعين على الفاضل أن لا يتعرض لغيظ أخيه المفضول بإكثار عليه رؤية ما يغيظه من فضله، أو ما يزيده من حسده إياه، ولكن ليكن ذلك على حسن تدبير، وليحرص في أن يتجاف هذه الحال مع الأقرب فالأقرب من أهله ومعارفه، فإنهم له أحسد إلا من وقى الله، فإذا تظاهر الفاضل في حال، أو جمال، أو مال بما منَّ الله تعالى به عليه غائظًا به المفضول، تعرض من الله تعالى لإزالة ذلك الشيء، فيكون رؤية ذلك الناظر له قد كانت سببًا لأن غضب الله، فأزال ذلك الذي كان الحاسد يحسد فيه. فإن العين لا تنال ذلك إلا من هذه الطريق. انتهى.
أمّا إذا لم يظهر للإنسان ما يخشى معه الحسد أو العين، ولم يكن مريدا للاختيال والمباهاة ومغايظة المحرومين؛ فلا ينبغي الإخفاء حينئذ، ولا سيما إذا كان في إظهار النعمة منفعة.
وبعض الناس يبالغ في الخوف من الحسد والعين مبالغة شديدة؛ وهذا مسلك مخالف للشرع والعقل؛ فلا يسوغ أن تكون الخشية من الحسد والعين؛ غُلّا في عنق المسلم، وقيدا يعوق حركته، وينغص عليه حياته بالخوف والقلق.
وإذا حافظ المسلم على تحصين نفسه بالأذكار النبوية وخاصة قراءة المعوذات، وتوكل على الله تعالى، فهو في مأمن -بإذن الله تعالى- من هذه الشرور.
فإن كان في نشر صورتك مصلحة، ونفع للغير، أو لك؛ فلا نرى مانعا من ذلك، لكن إذا منعك أبوك؛ فالظاهر لنا أنّه تجب عليك طاعته في الامتناع من نشر الصور.
والله أعلم.