السؤال
كنت أقوم بترجمة القصص المصورة، وكانت تحتوي على ألفاظ تحمل معاني إلحادية، بالإضافة إلى أمور تتعلق بالأديان الأخرى، وبعض مشاهد العُري. وعندما علمت أن ما أفعله محرم، توقفت عنه تمامًا، وحاولت حذف ما استطعت، فحذفت معظم ما قمت بنشره، إلا أن هناك بعض الأشياء التي لم أتمكن من حذفها.
لاحقًا، اكتشفت أن كل ما كنت أنشره قد قام آخرون بسرقته وإعادة رفعه على مواقعهم، ولا توجد أي وسيلة للتواصل معهم لحذفه. فما الذي ينبغي عليّ فعله في هذه الحالة؟ مع العلم أنني تبت عن الترجمة تمامًا.
شكرًا جزيلًا لكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت قد تبت إلى الله تعالى، وبذلت جهدك في إزالة ما مضى من الترجمات المحرَّمة؛ فإنه لا إثم عليك -إن شاء الله تعالى- فيما بقي، مما لم تستطع إزالته.
قال الشنقيطي في أضواء البيان: وأما الإشكال الذي في الإقلاع عن الذنب، فحاصله أن من تاب من الذنب الذي هو متلبس به، مع بقاء فساد ذلك الذنب، أي: أثره السيئ، هل تكون توبته صحيحة، نظرًا إلى أنه فعل في توبته كل ما يستطيعه، وإن كان الإقلاع عن الذنب لم يتحقق للعجز عن إزالة فساده في ذلك الوقت، أو لا تكون توبته صحيحة؛ لأن الإقلاع عن الذنب الذي هو ركن التوبة لم يتحقق.
ومن أمثلة هذا: من كان على بدعة من البدع السيئة المخالفة للشرع، المستوجبة للعذاب، إذا بث بدعته، وانتشرت في أقطار الدنيا، ثم تاب من ارتكاب تلك البدعة، فندم على ذلك، ونوى ألا يعود إليه أبدًا، مع أن إقلاعه عن بدعته لا قدرة له عليه، لانتشارها في أقطار الدنيا... فجمهور أهل الأصول على أن توبته في كل الأمثلة صحيحة؛ لأن التوبة واجبة عليه، وقد فعل من هذا الواجب كل ما يقدر عليه، وما لا قدرة له عليه معذور فيه؛ لقوله تعالى: لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. انتهى مختصرًا.
وفي مرقاة المفاتيح لملا القاري: قال ابن حجر: تنبيه: لو تاب الداعي للإثم، وبقي العمل به، فهل ينقطع إثم دلالته بتوبته؛ لأن التوبة تجب ما قبلها أو لا؟... والأظهر الأول، وإلا فيلزم أن نقول بعدم صحة توبته، وهذا لم يقل به أحد. اهـ.
وقال الشيخ محمد آدم الإثيوبي -رحمه الله تعالى- في كتابه شرح صحيح مسلم: من تاب من الدعاء إلى الإثم، وحَسُنت توبته، لا يُشترط ترك المدعوّين تلك الضلالة، ولكن ينبغي له أن يقوم بدعوتهم إلى الهدى، كما دعاهم إلى الضلالة، إن استطاع ذلك. اهـ.
وننصحك -أخي السائل- بأن تجتهد في نشر الترجمات المفيدة النافعة لتؤجر عليها إن شاء الله تعالى. وقد رُوِيَ عن عكرمة بن أبي جهل أنه قال لما تاب فأسلم: لا أَدَعُ نفقة كنت أنفقتها في الصد عن سبيل الله، إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قاتلت قتالاً في الصد عن سبيل الله، إلا أبليت ضعفه في سبيل الله. رواه الحاكم بإسناد فيه ضعف.
والله أعلم.