الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلف بالطلاق أنه لن يبيع السيارة للمشتري إلا بسعر معين، فباعها له أخوه بأقلّ منه

السؤال

وكّلني أخي ببيع سيارة، وبعد عرضها على أحد المواقع، اتصل بي مشترٍ، وقام برؤيتها، وأعجب بالسيارة، وقال: "أريدك أن تخفض من سعرها"، علمًا بأنني قد خفضت منها قرابة ألف دينار عن أسعار السيارات المماثلة. فألحَّ عليَّ بشكل متكرر، مما أزعجني، فقلت: "يا أخي، عليَّ بالطلاق بالثلاث أنني لن أبيع لك السيارة إلا بهذه القيمة: 2350 دينارًا، فقال: "أنا اشتريت، وتوكلنا على الله."
بعد ذلك، عدت إلى البيت، وبما أن السيارة مسجلة باسم أخي، قلت له: "الآن انتهى دوري، وبإمكانك أن تذهب وتقوم بتحويل السيارة إلى المشتري." فشكرني أخي، وبعد ذلك ذهب إلى مركز المرور، وقام بتحويل السيارة.
قبل تحويل السيارة بدقائق، اتصلت به وأخبرته أنني حلفت بالطلاق ثلاثًا أن السيارة لن تباع إلا بسعر: 2350 دينارًا، فقال لي: "لا تقلق، لقد قام المشتري بتحويل المبلغ، وحلف بالله على ذلك." فقلت له: "بارك الله لك وله"، وأغلقت الهاتف.
بعد أيام، زارني أخي الأكبر، وأخبرني أنه كان يتحدث مع أخي صاحب السيارة، وقال لي: "لقد كنت أعرف المشتري، وقمت بخصم 200 دينار له." وهنا كانت الصدمة بالنسبة لي، فقلت: "متى وكيف؟ لقد أخبرني أخي صاحب السيارة أنه باعها للمشتري بنفس المبلغ الذي حددته وأقسمت عليه!" فقال: "لا أعلم."
والآن، أنا في خلاف حاد مع أخي صاحب السيارة الذي وكّلني ببيعها، بسبب هذا الموضوع.
والسؤال: هل يقع الطلاق عليَّ؟ وهل يجب عليَّ دفع كفارة؟ وهل يجب أن أتواصل مع المشتري، وأطلب منه دفع 200 دينار لأخي حتى يتحقق يميني، أم إنه لا شيء عليَّ، لأن أخي قد حلف بأنه تم البيع بالمبلغ المذكور؟
جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالجمهور على أن الحلف بالطلاق -سواء أريد به الطلاق، أو التهديد، أو المنع، أو الحث، أو التأكيد- يقع به الطلاق عند وقوع الحنث، وأنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع ثلاثاً -وهذا هو المفتى به عندناـ، لكن بعض أهل العلم، كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أنّ حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به تعليق الطلاق، وإنما يراد به التهديد، أو التأكيد على أمر، حكم اليمين بالله، فإذا وقع الحنث، لزم الحالف كفارة يمين، ولا يقع به طلاق، وعند قصد الطلاق يرى أنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع واحدة، وراجع في ذلك الفتويين: 11592، 5584.

وأمّا بخصوص يمين السائل، وحلفه بالطلاق للمشتري أنه لن يبيع له السيارة إلا بهذه القيمة، فباعها له أخوه بأقلّ منها، فإن كان يقصد مباشرة البيع بنفسه خصوصًا، لم يحنث إن باعها له غيره، وإن قصد ألا تُباع السيارة إلا بذلك، ولو عن طريق أخيه، حنث.

وهذا قريب من مسألة ‌من حلف ‌ألا ‌يبيع أو يشتري سلعة من فلان، فأمر غيره فاشتراها له منه، فإنه يحنث، إلا إن نوى مباشرة ذلك بنفسه، على الراجح من أقوال أهل العلم.

قال ابن رشد في البيان والتحصيل: من ‌حلف ‌ألا ‌يشتري سلعة من فلان، فأمر غيره فاشتراها له منه، هو حانث على كل حال، إلا أن يكون نوى ألا يلي هو الشراء منه بنفسه. اهـ.

وقال البغوي في التهذيب في الفقه الشافعي: لم ‌يحنث، إلا أن يكون ‌بنيّته ألا يفعل بنفسه ولا بغيره، ‌فيحنث. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني