السؤال
هل يجوز التعاقد مع شركة، بحيث نقدم لها مبلغًا من المال لزراعة محصول معين (مثل الثوم)، مع اشتراط أن تشتري هي المحصول بسعر محدد لكل كيلوغرام، على أن يتم تقاسم الأرباح بيننا؟ وهل يجوز تحديد سعر البيع قبل الزراعة؟
هل يجوز التعاقد مع شركة، بحيث نقدم لها مبلغًا من المال لزراعة محصول معين (مثل الثوم)، مع اشتراط أن تشتري هي المحصول بسعر محدد لكل كيلوغرام، على أن يتم تقاسم الأرباح بيننا؟ وهل يجوز تحديد سعر البيع قبل الزراعة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحة المضاربة في الاستثمار الزراعي محل خلاف بين أهل العلم، فلا تصح عند الشافعية؛ لأنهم يشترطون في عمل المضارب أن يكون في التجارة خاصة.
قال الغزالي في الوجيز: شروط العمل في المضاربة ثلاثة: وهي أن يكون تجارة، غير مضيقة بالتعيين والتأقيت، احترزنا بالتجارة عن الطبخ والخبز والحرفة ... والتجارة هي: الاسترباح بالبيع والشراء، لا بالحرفة والصنعة. اهـ.
وأما عند الجمهور، فتصح المضاربة في الاستثمار الزراعي من حيث الجملة، على خلاف في شروط ذلك، ومنه: عدم التضييق على المضارب باشتراط العمل في الزراعة خاصةً.
جاء في المدونة: لو دفعت إلى رجل مالاً قراضًا، فاشترى به أرضًا، أو اكتراها، أو اشترى زريعة وأزواجًا، فزرع، فربح، أو خسر، أيكون ذلك قراضًا، ويكون غير متعد؟ قال: نعم، إلا أن يكون خاطر به في موضع ظلم، أو عدو يرى أن مثله قد خاطر به فيضمن.
وأمّا إذا كان في موضع أمن وعدل، فلا يضمن.
قلت: أوليس مالك قد كره هذا؟ قال: إنما كرهه مالك إذا كان يشترط إنما يدفع إليه المال قراضًا على هذا. اهـ.
وقال محمد بن الحسن الشيباني في الأصل: إذا دفع الرجل إلى الرجل مالاً مضاربة، وأمره أن يعمل فيه برأيه، أو لم يأمره بشيء من ذلك، فأخذ المضارب المال، واستأجر ببعضه أرضاً بيضاء، ثم اشترى ببعض المال المضاربة طعاماً، أو شعيراً، فزرعه في الأرض، فربح، أو وضع، فإن هذا جائز، وهو على المضاربة، وهذا عندنا بمنزلة التجارة. اهـ.
وعلل السرخسي ذلك في المبسوط فقال: لأن عمل الزراعة من صنع التجار يقصدون به تحصيل النماء. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: هل له (أي المضارب) الزراعة؟ يحتمل أن لا يملك ذلك؛ لأن المضاربة لا يفهم من إطلاقها المزارعة.
وقد روي عن أحمد -رحمه الله- في من دفع إلى رجل ألفًا، وقال: اتجر فيها بما شئت. فزرع زرعًا، فربح فيه، فالمضاربة جائزة، والربح بينهما. قال القاضي: ظاهر هذا أن قوله: اتجر بما شئت. دخلت فيه المزارعة؛ لأنها من الوجوه التي يبتغى بها النماء، وعلى هذا لو توى (أي هلك) المال كله في المزارعة، لم يلزمه ضمانه. اهـ.
ولو صحت المضاربة في الاستثمار الزراعي، فلا يصح اشتراط المضارب أن يبيع المحصول لنفسه بثمن معين؛ لأن ذلك ليس من مصلحة العقد، ولا مقتضاه، كما أنه يمكن أن يعود على الربح بالجهالة، لأن المحصول لا يعرف قدره، وإذا بيع بهذا الثمن المعين سَلَفَاً، قد لا يفي برأس المال، فيتضرر صاحبه، وقد لا يفي إلا به، فيتضرر المضارب.
قال ابن رشد في بداية المجتهد: ولا خلاف بين المسلمين في جواز القراض ... وأن هذا مستثنى من الإجارة المجهولة، وأن الرخصة في ذلك إنما هي لموضع الرفق بالناس ... وكذلك أجمعوا بالجملة على أنه لا يقترن به شرط يزيد في مجهلة الربح، أو في الغرر الذي فيه. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: الشروط في المضاربة تنقسم قسمين:
صحيح، وفاسد ... والشروط الفاسدة تنقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما ينافي مقتضى العقد، مثل أن يشترط لزوم المضاربة، أو لا يعزله مدة بعينها ... أو شرط ألا يشتري أو لا يبيع، أو أن يوليه ما يختاره من السلع، أو نحو ذلك، فهذه شروط فاسدة؛ لأنها تفوت المقصود من المضاربة، وهو الربح، أو تمنع الفسخ الجائز بحكم الأصل.
القسم الثاني: ما يعود بجهالة الربح، مثل أن يشترط للمضارب جزءًا من الربح مجهولاً ... أو يشترط لأحدهما دراهم معلومة بجميع حقه أو ببعضه ... فهذه شروط فاسدة؛ لأنها تفضي إلى جهل حق كل واحد منهما من الربح، أو إلى فواته بالكلية، ومن شرط المضاربة كون الربح معلومًا.
القسم الثالث: اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه، مثل ... أن يشترط على المضارب ضمان المال أو سهمًا من الوضيعة، أو أنه متى باع السلعة فهو أحق بها بالثمن، أو شرط المضارب على رب المال شيئًا من ذلك. فهذه كلها شروط فاسدة. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني