الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، وبين: وأما بنعمة ربك فحدث

السؤال

هناك مقولة منتشرة تُنسب إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وهي: "إذا أردت أن تدوم النعم عليك، فلا تذكرها أمام الناس، فليس كل مستمع لك محب." فما مدى صحة نسبتها إليه؟ وإذا لم تصح عنه، فما صحة معناها، حيث ربطت دوام النعم بكتمانها؟ وهل يتعارض ذلك مع قوله تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدّث"؟
وإذا وصلتني هذه المقولة، فهل عليَّ إثم إن لم أنكرها؟ فمثل هذه الرسائل تنتشر كثيرًا عبر وسائل التواصل، وقد يرسلها بعضهم ثم ينسونها. فهل يجب أن أوضح لهم الأمر، أم لا يلزمني ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم نجد هذه العبارة منسوبة لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فيما بين أيدينا من المراجع، ولكن ربما يدل على معناها ما رواه الطبراني في (المعجم الوسيط) عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود. وهذا الأثر مختلف في تصحيحة وتضعيفه، بل ووضعه كما بينا في الفتوى:43797 .

وأما قول الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [سورة الضحى: 11]، فالمقصود به أنَّ من تمام شكر نِعَم الله تعالى أن يذكرها العبد في مقام الثناء على الله.

قال ابن كثير في (تفسيره): {وأما بنعمة ربك فحدث} أي: وكما كنت عائلاً فقيرًا فأغناك الله، فحدث بنعمة الله عليك، كما جاء في الدعاء المأثور النبوي: "واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها، قابليها، وأتمها علينا".
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، حدثنا سعيد بن إياس الجريري، عن أبي نضرة قال: كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها
. انتهى.

وقال القرطبي في (تفسيره): قوله تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث} أي: انشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء. والتحدث بنعم الله، والاعتراف بها شكر ... وعن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: إذا أصبت خيرًا، أو عملت خيرًا، فحدث به الثقة من إخوانك. وعن عمرو بن ميمون قال: إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به، يقول له: رزق الله من الصلاة البارحة كذا وكذا. انتهى.

وعلى هذا؛ فلا تعارض بين هذه الآية وبين الحديث السابق على فرض قبوله؛ لأنه يمكن الجمع بينهما من وجهين؛ الأول: أن يكون التحدث بنعم الله تعالى والاعتراف بها بلفظ عام على وجه الإجمال.
والثاني: بأن يتحدَّث الإنسان بنعمة الله تعالى مع الثقات من إخوانه الذين لا يخشى منهم الضرر، كما هو مبين في الفتوى: 483019.

ولا بأس ببيان عدم صحة نسبة تلك العبارة لعلي، هذا مع النصح والتوجيه بالتثبت مما ينتشر في وسائل التواصل من آثار وأحاديث، فكثير من ذلك مما لا تصح نسبته، بل مما هو مكذوب موضوع. وقد روى مسلم في صحيحه من حيث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء كذبا أن يحدِّثَ بكل ما سمع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني