السؤال
أعمل في إحدى شركات التجارة، وتتمثل مهامي الأساسية في مجال تكنولوجيا المعلومات والحواسيب الآلية. لكن بحكم خبرتي في هذا المجال، أُكلَّف أحيانًا ببعض الأعمال الإدارية التي لا تندرج ضمن اختصاصي، مثل توقيع وختم عقود الشركة المختلفة التي ترد بشكل متكرر.
ومؤخرًا، عُرِض عليّ عقد تمويل بفائدة ثابتة، حيث يقوم أحد الأطراف بإقراض الشركة مبلغًا من المال مقابل نسبة مئوية ثابتة تُضاف إلى أصل المبلغ بعد ستين يومًا. فقمت بختم العقد بختم الشركة، ووقّعتُ عليه باسم صاحب العمل. كما وردني عقد آخر بنفس الفكرة، إلا أن صاحب العمل تولّى بنفسه أمر الأختام والتوقيع، واقتصر دوري على طباعته فقط.
وسؤالي هو: ما حكم ما فعلت؟ وهل أُعتبر داخلًا تحت حكم كاتب الربا؟ وإن تكرر الأمر مستقبلاً، فما هو التصرف الصحيح الذي ينبغي عليّ فعله؟
وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يتصل بإعداد العقود الربوية وتوثيقها، لا تجوز مباشرته، ولو بإعداد الورق الخاص بها، أو كتابة صياغتها، أو طباعتها، فضلاً عن توقيعها وختمها؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم.
ولذلك لم يأت الشرع بلعن آكل الربا ومؤكله وحدهما، بل لعن كذلك كاتبه وشاهده؛ لما في فعلهما من إعانة عليه، ولذلك: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم.
قال النووي في شرح مسلم: هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين، والشهادة عليهما، وفيه تحريم الإعانة على الباطل. اهـ.
وقال الصنعاني في (التنوير): (وكاتبه، وشاهده)؛ لأنهما رضيا به، وأعانا عليه. اهـ.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: المعونة على معاصي الله، وما يكرهه الله، للمعين عليها من الوزر، والإثم مثل ما لعاملها، ولذلك نهى الرسول عن بيع السيوف في الفتنة، ولعن عاصر الخمر، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وكذلك سائر أعمال الفجور. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثمًا؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها، وأكثر هؤلاء، كالعاصر، والحامل، والساقي، إنما هم يعاونون على شربها. اهـ.
وانظر للفائدة الفتاوى: 101859، 354898، 476089.
وعلى ذلك؛ فإنه يجب على السائل تجنب مباشرة إعداد العقود الربوية أو التوقيع عليها، أو غير ذلك مما يعين عليها ويتصل بها مباشرة. وليستغفر الله تعالى مما سبق، ولينصح -بحسب قدرته- صاحب الشركة بتجنب العقود والمعاملات المحرمة.
والله أعلم.