السؤال
ذهبتُ مؤخرًا إلى محل لبيع الذهب، بهدف توسيع خاتم، وقد أبلغني البائع بالحجم المطلوب، وسألني إن كنت أملك خاتمًا آخر يمكن اعتماده كمرجع للقياس. وبالفعل، سلّمته خاتمًا آخر ليُعتمد عليه.
أخذ الخاتمين إلى ورشة خارج المحل، ولدى عودته، أخبرني بأنه قام بتوسيع الخاتم المطلوب، وتلميع الخاتمين، كما أشار إلى أنه أضاف كمية من الذهب لتوسيع الخاتم.
بعد ذلك، طالبني بدفع تكلفة التوسعة، وقيمة تلميع الخاتمين، بالإضافة إلى ثمن الذهب المضاف، رغم أنني لم أطلب سوى خدمة التوسعة فقط. ومن المعلوم أن توسيع الخواتم غالبًا يتم عبر تسخينها وإدخالها في أداة مخصصة، دون الحاجة إلى إضافة ذهب جديد. وزميله كان موجودًا في المحل، وكان من المفترض أن يتواصل معه ليستأذنني قبل تقديم أي خدمات إضافية، أو تحميل أي تكاليف زائدة.
ورغم شعوري بعدم الارتياح، دفعتُ المبلغ المطلوب من باب إنصاف الأجير، حتى وإن لم أطلب تلك الخدمات الإضافية. لكنني شعرتُ أنني ربما تعرضت لعملية غشّ أو استغلال. فما رأيكم في مثل هذا التصرف؟ وما النصيحة التي تقدمونها للتعامل مع مواقف مشابهة في المستقبل؟ وهل كان من الأفضل أن أدفع فقط مقابل الخدمة التي طلبتها فعليًا؟ وكيف يمكن للمرء تقدير تكلفة مثل هذه الخدمة بشكل عادل وواقعي؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعقد الإجارة مثله مثل بقية عقود المعاوضات، لا تنعقد ولا تصح إلا بالإيجاب والقبول من الأجير والمستأجر، وصححها بعض أهل العلم بالمعاطاة دون التلفظ بالإيجاب والقبول، إذا تحقق الرضا وفُهم القصد.
ويشترط لصحتها -أيضًا- معلومية المعقود عليه من: المنفعة، والأجرة.
قال ابن قدامة في المغني: يشترط في عوض الإجارة كونه معلومًا. لا نعلم في ذلك خلافًا؛ وذلك لأنه عوض في عقد معاوضة، فوجب أن يكون معلومًا، كالثمن في البيع. اهـ.
وقال في الكافي: يشترط معرفة قدر المنفعة؛ لأن الإجارة بيع، والبيع لا يصح إلا في معلوم القدر. اهـ.
وعلى ذلك؛ فقيام الأجير بعمل آخر غير المتفق عليه، من قِبَل نفسه، ودون الرجوع إلى المستأجر والاتفاق معه، لا يصح منه، ولا يوجب له الأجرة.
قال ابن قدامة في المُغني: إذا دفع ثوبه إلى خياط أو قصار، ليخيطه أو يقصره، من غير عقد ولا شرط، ولا تعويض بأجر، مثل أن يقول: خذ هذا فاعمله، وأنا أعلم أنك إنما تعمل بأجر. وكان الخياط والقصار منتصبين لذلك، ففعلا ذلك، فلهما الأجر.
وقال أصحاب الشافعي: لا أجر لهما؛ لأنهما فعلا ذلك من غير عوض جعل لهما، فأشبه ما لو تبرعا بعمله.
ولنا أن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول، فصار كنقد البلد، وكما لو دخل حمامًا، أو جلس في سفينة مع ملاح، ولأن شاهد الحال يقتضيه، فصار كالتعويض.
فأما إن لم يكونا منتصبين لذلك، لم يستحقا أجرًا، إلا بعقد، أو شرط العوض، أو تعويض به؛ لأنه لم يجر عرف يقوم مقام العقد، فصار كما لو تبرع به، أو عمله بغير إذن مالكه. اهـ.
فمن عمل عملاً في شيء بغير إذن مالكه، لم يستحق الأجرة.
وعلى ذلك؛ فلا يستحق الصائغ، ولا يلزم السائل، إلا أجرة العمل المتفق عليه.
وقد أخطأ الصائغ في قيامه بتلميع الخاتم الذي وسعه دون إذن صاحبه، لا تبرعًا، وإنما طلبًا للعوض. وأشد من ذلك تلميع الخاتم الثاني الذي أخذه كمقياس، ولا علاقة له بعقد الإجارة! ومثل ذلك أيضًا إضافة ذهب جديد عند توسيع الخاتم -كما زعم- فما كان له فعل ذلك دون علم المالك ورضاه.
ومع ذلك فقد أحسن السائل في إعطائه عوض هذه الأعمال الإضافية، من باب السماحة في المعاملة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى. رواه البخاري.
وأما تقدير تكلفة هذه الخدمة بشكل عادل، فيُرجَع فيه إلى أهل الخبرة في هذا المجال. وللفائدة حول تقدير الأجرة إذا لم يتفق عليها في العقد، انظر الفتوى: 482164.
والله أعلم.