الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يقضي المريض الصلوات الكثيرة الفائتة؟

السؤال

وعدت وحلفتُ أن أقضي جميع صلواتي، وأنا الآن مريضة، ولا تتسنى لي فرصة القضاء، وكل يوم أكون في حالة نفسية يرثى لها، وأخاف أن أموت ولم أفِ بوعدي وقسمي، فما عقابي على هذا؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يشفيكِ ويعافيكِ، وأن يطيل عمرك في طاعته.

أما بخصوص ما سألت عنه:

فإن كانت الصلوات التي وعدت وأقسمت على قضائها قد فاتتك بغير عذر؛ فالواجب عليك أولًا التوبة إلى الله، والندم على ذلك، والإكثار من الاستغفار، والعمل الصالح.

ويجب عليك قضاء جميع ما فاتك من الصلوات في قول جمهور العلماء، ولو لم تعدي أو تحلفي على ذلك، وراجعي الفتوى: 65785.

والقضاء يكون على الفور، حسب الاستطاعة، في أي ساعة من ليل أو نهار، ما لم يترتب على ذلك مشقة في بدنك، أو معاشك.

قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: ومن عليه صلوات كثيرة، صلاها في كل وقت من ليل أو نهار، وعند طلوع الشمس، وعند غروبها، وكيفما تيسر له.

وقال النفراوي في الفواكه الدواني: (و) يجب عليه القضاء (كيفما تيسر له) ولو في حال المرض الذي يصلّي فيه من جلوس، ولو فاتته في حال الصحة.. لأن المعتبر حال الفعل، لا حال الوجوب.. فيجب عليه شغل زمانه بالقضاء، وإنما يوسّع له في الضرورات التي لا غِنى له عنها، كما يدلّ عليه قول المدونة: ومن عليه صلوات كثيرة، أمر أن يصليها متى قدر ووجد السبيل إلى ذلك، في ليل أو نهار، دون أن يضيع ما لا بدّ منه من حوائج دنياه -من نفقة عياله، وصغار أولاده الفقراء، أو أبويه الفقراء، ويلحق بذلك درس العلم الواجب عليه، والتمريض، وإشراف القريب على ما يظهر...

والحاصل أنه لا يخرج من إثم التأخير إلا بفعل ما قدمناه. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: إذا كثرت الفوائت عليه، يتشاغل بالقضاء، ما لم يلحقه مشقة في بدنه، أو ماله. اهـ. وراجعي لمزيد الفائدة الفتاوى: 468559 ​​​​​​، 208093 ​​، 208486.

وأما قولك: إنك مريضة، ولا يتسنى لك فرصة القضاء؛ فإن المريض يصلّي على الحالة التي يقدر عليها -قائمًا، أو قاعدًا، أو مضطجعًا- فإن عجز عن ذلك كله؛ فإنه يومئ إيماءً، وذلك ميسور -إن شاء الله-، ولا تسقط عنه الصلاة، ما دام عقله قائمًا، وراجعي الفتوى: 71385.

وإن كنتِ قد تبت إلى الله توبة نصوحًا، وبذلتِ جهدكِ في القضاء على الوجه المأمور به؛ فطِيبي نفسًا، وقرّي عينًا؛ فقد فعلت ما تقدرين عليه، ولا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها، ولا إثم عليكِ -إن شاء الله-، إن لم يقدّر الله لك إتمام ما حلفت على فعله مما هو واجب عليك أصلًا، وراجعي الفتوى: 139525.

وينبغي أن يكون خوف الإنسان من الإثم الذي يلحقه بترك الصلوات بغير عذر أعظم من خوفه من عدم البِرّ بيمينه، أو الوفاء بوعده.

وننبه إلى أن الوعد لا يكون نذرًا إلا إذا قصد به صاحبه النذر، فمجرد الوعد لا يأخذ حكم النذر، إلا إذا نواه الإنسان، وراجعي الفتوى: 285328.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني