السؤال
هل صحَّ حديثٌ أنَّ الخيلَ أو الفرسَ يدعو لصاحبه؟ وإذا صحَّ، فهل يستجيب اللهُ دعوةَ الفرس لصاحبه؟ وهل كلُّ البهائم تدعو لأصحابها؟
هل صحَّ حديثٌ أنَّ الخيلَ أو الفرسَ يدعو لصاحبه؟ وإذا صحَّ، فهل يستجيب اللهُ دعوةَ الفرس لصاحبه؟ وهل كلُّ البهائم تدعو لأصحابها؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج أحمد، والنسائي، عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من فرس عربي إلا يؤذن له كل يوم بدعوتين يقول: اللهم كما خولتني من خولتني، فاجعلني من أحب ماله وأهله إليه. وصححه الألباني، وأخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
ورواه أحمد موقوفًا ومرفوعًا، ورجح جماعة من المحققين رواية الوقف على أبي ذر، وذكر الدارقطني أن رواية الوقف على أبي ذر هي المحفوظة، وهو ما رجّحه الأرنؤوط ومن معه في تحقيق مسند أحمد.
وأما الدعوة في الحديث، فهي للفرس نفسه، بأن يكون أحبّ مال الرجل وأهله إليه، وليست دعوة لصاحبه.
وبخصوص استجابة دعائه، فقد كان بعض السلف من الصحابة يظن ذلك، كأبي ذر -رضي الله عنه- ففي الحديث السابق: أن معاوية بن حديج مرّ على أبي ذر، وهو قائم عند فرس له فسأله: ما تعالج من فرسك هذا؟ فقال: «إني أظن أن هذا الفرس قد استجيب له دعوته». قال: وما دعاء البهيمة من البهائم؟
وفي قول معاوية بن حديج: وما دعاء البهيمة من البهائم؟ إشارة إلى استغرابه دعاء البهائم.
ولكن في دعاء النملة التي رآها سليمان رافعة قوائمها، ما يدل على وقوع ذلك، كما يدل على استجابة دعائها.
فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه، وأحمد في الزهد عن أبي الصديق الناجي: أن سليمان بن داود، خرج بالناس يستسقي، فمر على نملة مستلقية على قفاها، رافعة قوائمها إلى السماء، وهي تقول: اللهم إنّا خلق من خلقك، ليس لنا غنى عن رزقك، فإما أن تسقينا، وإما أن تهلكنا، فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم، وقال ابن الأمير الصنعاني في سبل السلام: رواه أحمد، وصححه الحاكم. انتهى.
ففي الحديث ذكر دعوة بعض الحيوانات، والمقصود بها دعوة تلك النملة، ففيه إثبات لدعائها.
وقال ابن الأمير - تعليقًا على الحديث: فيه دلالة على أن الاستسقاء شرع قديم، والخروج له كذلك، وفيه أنه يحسن إخراج البهائم في الاستسقاء، وأن لها إدراكًا يتعلق بمعرفة الله، ومعرفة بذكره، وتطلب الحاجات منه، وفي ذلك قصص يطول ذكرها، وآيات من كتاب الله دالة على ذلك، وتأويل المتأولين لها لا ملجئ له. انتهى.
وأمّا القرآن فقد ذكر تسبيح الطير، وهو دعاء ثناء على الله، وهو أحد قسمي الدعاء، قال سبحانه: وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ [الأنبياء: 79]، وقال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [سبأ: 10]، وقال سبحانه: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ [الأنعام: 38].
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: مجازه: إلا أجناس يعبدون الله، ويعرفونه. انتهى.
وقال الطبري في تفسيره: بل جعل ذلك كله أجناسًا مجنَّسة وأصنافًا مصنفة، تعرف كما تعرفون، وتتصرف فيما سُخِّرت له كما تتصرفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ومُثْبَت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب. انتهى.
وأما دعاء البهائم لأصحابها من بني آدم، فلم نطلع على أثر يفيد ذلك.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني