السؤال
أنا شابٌّ، عقدتُ نكاحي مؤخرًا، ولا تزال زوجتي عند أهلها، وذلك لأن والديَّ يريدان أن أقيم الوليمة وحفل العرس، وهذا أمر يصعب عليّ من الناحية المادية. ولو أردتُ ذلك لاحتجتُ إلى الانتظار أكثر من ستة أشهر حتى أستطيع فعله، وهذه المدة لن تتحملها لا الزوجة ولا أهلها.
وإذا لم أقم بهذه الوليمة والعرس، فسيغضب والداي، فكرتُ في اللجوء إلى القرض من البنك. لكنه ربا، فاجتنبته.
أفكر في أن أخبر والد الزوجة أن يقوم بزفاف ابنته كيف شاء، وأن أذهب لأحضرها، رغم أن أهلي سيغضبون كثيرًا. فما حكم فعلي هذا في المذاهب الفقهية، وبالخصوص في المذهب المالكي؟
وشكرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن استطعت أن تعمل وليمة ولو بشيء يسير؛ فأطع والديك، وأدخل السرور عليهما.
وأمّا إذا لم تستطع عمل الوليمة، وكنت تتضرر بتأخير الدخول بزوجتك؛ فلا تجب عليك طاعة والديك في هذا الأمر؛ فإنّ الطاعة لا تجب فيما يضر.
ففي المذهب المالكي، جاء في حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني: ومن الفرائض بر الوالدين ... وليعاشرهما، أي: يصاحبهما بالمعروف، فليطعهما في كل ما أمراه بفعله مما هو مباح أو واجب... أي ما لم يكن في فعله ضرر، فتسقط طاعتهما فيه. انتهى مختصرًا.
وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله-: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، ... وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر، فإن شق عليه، ولم يضره، وجب، وإلا فلا. انتهى من الفتاوى الكبرى.
ونصيحتنا لك أن تبين لوالديك أنّك غير قادر على الوليمة، وتجتهد في إقناعهما بتعجيل دخولك بزوجتك، وتكثر دعاء الله تعالى أن يعينك على ذلك، ولا بأس أن توسّط بعض الأقارب أو غيرهم ممن لهم وجاهة عند والديك ليقنعوهما بذلك، فإن أصرَّ والداك على الرفض؛ فلا نرى عليك حرجًا في تعجيل الزفاف دون وليمة، مع الاجتهاد في برّ والديك، والسعي في استرضائهما، والحرص على الإحسان إليهما.
واعلم أنّ الوليمة مندوب إليها عند المالكية بعد الدخول، جاء في مختصر خليل -رحمه الله-: الوليمة مندوبة بعد البناء. انتهى.
وجاء في الشرح الكبير للشيخ الدردير: ... بعد البناء، فإن وقعت قبله لم تكن وليمة شرعًا، ولا تجب فيها الإجابة، والمعتمد أن كونها بعد البناء مندوب ثان، فإن فعلت قبل أجزأت، ووجبت الإجابة لها. انتهى.
والله أعلم.