الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرب النبيذ بين الحل والحرمة

السؤال

سؤالي عن النبيذ: رأيتُ فتاواكم حوله، وأنا أقصد النبيذ الذي يُنبذ لأقلّ من ثلاثة أيام، كما ورد في فتاواكم عمّا كان يشربه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما أعلمه أن الكحول يبدأ تكوُّنه تقريبًا بعد 12 ساعة من النبذ بنسبة بسيطة، حتى تصل النسبة إلى نحو 1% بعد ثلاثة أيام، وقد تختلف النسبة حسب البيئة. والمسؤول عن هذا التكوُّن هو بكتيريا نافعة تُنتج أيضًا غاز ثاني أكسيد الكربون، فيتحوّل المشروب إلى مشروب غازي.
فأريد أن أعرف ما ضوابط هذا الكحول، وكيف يمكن أن أُميّز إن كان قد تحوّل إلى خمر أم لا؟
وأرجو الدقّة في التعريف منعًا لسوء الفهم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس كل ما يسمى كحولًا عند الكيميائيين يكون مسكرًا لمجرد دخوله تحت مجموعة الكحوليات، وراجع في ذلك الفتويين: 156733، 136057.

فالعبرة ليست في وجود نسبة من الكحول، وإنما العبرة بحصول قوة الإسكار، فالعبرة في تحريم النبيذ هي الإسكار، فيحرم منه ما يسكر، ويباح ما لا يسكر. فعن جابر: أن رجلاً قدم من جيشان، وجيشان من اليمن، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له: المزر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أو مسكر هو؟» قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام. رواه مسلم.

فليست العبرة بنوع المنبوذ، ولا بمدة النبذ، ولا بنوع الوعاء، وإنما العبرة بحصول الإسكار.

قال ابن حجر في فتح الباري: قال المازري: أجمعوا على أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال، وعلى أنه إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد حرم قليله وكثيره، ثم لو حصل له تخلل بنفسه حل بالإجماع أيضًا، فوقع النظر في تبدل هذه الأحكام عند هذه المتخذات، فأشعر ذلك بارتباط بعضها ببعض، ودل على أن علة التحريم الإسكار، فاقتضى ذلك أن كل شراب وجد فيه الإسكار حرم تناول قليله وكثيره. انتهى.

وقال أبو عبيد بن سلام في «غريب الحديث»: فهذه الأوعية التي جاء فيها النهي عن النبي عليه السلام، وهي عند العرب على ما فسرها أبو بكرة، وإنما نهى عنها كلها لمعنى واحد، أن النبيذ يشتد فيها حتى يصير مسكرًا، ثم رخص فيها فقال: "‌اجتنبوا ‌كل ‌مسكر" فاستوت الظروف كلها، ورجع المعنى إلى المسكر، فكل ما كان فيها وفي غيرها من الأوعية بلغ ذلك، فهو المنهي عنه، وما لم يكن فيه منها ولا من غيرها مسكر، فلا بأس به. اهـ.

وقد سبق لنا التنبيه على أنه ليس للنبذ مدة محددة، وأن هذا التغير يختلف باختلاف الأزمان، والأماكن، ودرجات الحرارة، ونحو ذلك، وراجع الفتوى: 141797.

وتحول النبيذ إلى خمر، يعرفه أهل الخبرة باشتداد النبيذ ونشيشه (أي صدور صوت الغليان) والقذف بالزبد، أو بالرائحة، ونحو ذلك.

قال القرطبي في «المفهم»: يجوز شرب النبيذ ما دام حلوًا؛ غير أنه إذا اشتد الحر أسرع إليه التغير في زمان الحر دون زمان البرد. فليتق الشارب هذا، ويختبره قبل شربه إذا أقام يومين أو نحوهما برائحته، أو تغيره، أو ابتداء نشيشه، فإن رابه شيء فعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني