السؤال
ما الذي يجوز للمرأة المسلمة إظهاره من بدنها عند غير المسلمة؟ وما هي مذاهب العلماء في ذلك؟ وما سبب اختلافهم؟
ما الذي يجوز للمرأة المسلمة إظهاره من بدنها عند غير المسلمة؟ وما هي مذاهب العلماء في ذلك؟ وما سبب اختلافهم؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيما يجوز للمسلمة أن تظهره من جسدها أمام المرأة غير المسلمة، وذلك بسبب اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ [النور: 31] هل المقصود بـ: {نِسَائِهِنَّ} نساء المؤمنات خاصة، أم عموم النساء؟
وأفضل جمع وتلخيص لكلامهم هو ما جاء في مواضع من الموسوعة الفقهية الكويتية، حيث جاء في موضع منها: عورة المرأة المسلمة بالنسبة للأجنبية الكافرة: ذهب جمهور الفقهاء: (الحنفية، والمالكية، وهو الأصح عند الشافعية) إلى أن المرأة الأجنبية الكافرة كالرجل الأجنبي بالنسبة للمسلمة، فلا يجوز أن تنظر إلى بدنها، وليس للمسلمة أن تتجرد بين يديها، لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن} أي: النساء المسلمات، فلو جاز نظر المرأة الكافرة لما بقي للتخصيص فائدة، وقد صح عن عمر رضي الله عنه الأمر بمنع الكتابيات من دخول الحمام مع المسلمات.
ومقابل الأصح عند الشافعية: أنه يجوز أن ترى الكافرة من المسلمة ما يبدو منها عند المهنة، وفي رأي آخر عندهم أنه يجوز أن ترى منها ما تراه المسلمة منها، وذلك لاتحاد الجنس كالرجال.
والمذهب عند الحنابلة: أنه لا فرق بين المسلمة والذمية، ولا بين المسلم والذمي في النظر، وقال الإمام أحمد في رواية عنه: "لا تنظر الكافرة إلى الفرج من المسلمة، ولا تكون قابلة لها". وفي رواية أخرى عنه: "إن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية، ولا تدخل معها الحمام". اهـ.
وجاء في موضع آخر من الموسوعة: اختلف الفقهاء في حكم تمكين المسلمةِ المرأةَ الكافرةَ من النظر إليها على أقوال:
الأول: أن المرأة الكافرة في نظرها إلى المرأة المسلمة كالرجل الأجنبي، فلا يحل للمسلمة أن تمكنها من النظر إلى شيء من بدنها، سوى ما يحل للرجل الأجنبي أن ينظر إليه منها، وهذا قول الحنفية في الأصح والمالكية، وهو قول عند الشافعية اعتبره البغوي والبلقيني والنووي والقاضي وغيرهم هو الأصح، والحنابلة في رواية.
وأكثر أصحاب هذا القول يرون أنه يحل للمرأة المسلمة أن تمكن الكافرة من النظر إلى وجهها وكفيها، ويحرم عليها تمكينها من النظر إلى ما سوى ذلك، وهو قول الحنفية والمالكية في المعتمد، وهو قول عند الشافعية، وذهب إليه ابن تيمية، وعلى القول الآخر عند الشافعية لا يحل للمسلمة أن تمكن الكافرة من النظر إلى شيء من بدنها، وهو قول لبعض المالكية، وهذا القول إذا كانت الكافرة غير محرم للمسلمة (أي تنزل منزلة الرجل المحرم) وغير مملوكة لها، أما هما فيجوز لهما النظر إليها.
واستدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى: [أو نسائهنْ]، فقد فسرها جمهور العلماء بأنهن النساء المسلمات الحرائر، وذلك بناء على ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما من قوله في تفسير الآية: هن المسلمات لا تبديه ليهودية ولا نصرانية، ولأنه لو جاز للكافرة النظر إلى المسلمة لم يبق للتخصيص الوارد في الآية بالإضافة فائدة، فدل على أن المراد صنف من النساء هن المسلمات.
واستدلوا بما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: أما بعد، فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات ومعهن نساء أهل الكتاب، فامنع ذلك، وحل دونه، وفي رواية: فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها، أي ما يعرى وينكشف منها.
واستدلوا أيضًا بما رواه سعيد عن مجاهد أنه قال: "لا تضع المسلمة خمارها عند مشركة، ولا تقبلها، لأن الله تعالى يقول: أو نسائهن فليست من نسائهن".
كما استدلوا بأن كشف المرأة المسلمة عن بدنها أمام الكافرة قد يؤدي إلى أن تصفها لزوجها أو غيره، فإن دينها لا يمنعها عن ذلك، وأما المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه.
وقد ورد عن عبادة بن نسي أنه كره أن تقبل النصرانية المسلمة أو ترى عورتها ويتأول "أو نسائهن".
القول الثاني: أن نظر المرأة الكافرة إلى المسلمة كنظر المسلمة إلى المسلمة، ولا فرق بينهما، وهو مقابل الأصح عند الحنفية، وقد استظهره صاحب العناية، فقد قال: "والظاهر أنه أريد بنسائهن من يصحبهن من الحرائر مسلمة كانت أو غيرها، والنساء كلهن في حل نظر بعضهن إلى بعض سواء".
ويستفاد مثل هذا من قول السرخسي: "إن كان مع الرجال امرأة كافرة علموها الغسل لتغسلها؛ لأن نظر الجنس لا يختلف بالموافقة في الدين والمخالفة"، وهو وجه عند الشافعية اعتبره الغزالي هو الأصح، وهو الصحيح عند الحنابلة، جزم به في الوجيز وغيره، وقدمه في المغني والشرح الكبير ونصراه، وصححه صاحب الكافي.
وقد رجح هذا القول من العلماء الفخر الرازي، حيث نقل عنه الألوسي أنه قال: "والمذهب أنها كالمسلمة، والمراد بنسائهن جميع النساء، وقول السلف محمول على الاستحباب".
وكذلك ابن العربي من المالكية، حيث قال: "والصحيح عندي أن ذلك جائز لجميع النساء، وإنما جاء بالضمير للاتباع، فإنها آية الضمائر، إذ فيها خمس وعشرون ضميرًا، لم يرد في القرآن لها نظير".
واستدل أصحاب هذا القول بأن نساء أهل الكتاب كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يتحجبن ولا أمرن بحجاب، واستدلوا أيضًا بالقياس على نظر الرجل الكافر للرجل المسلم بجامع اتحاد الجنس، فكما لم يفرق في حكم النظر بين الرجال باختلاف الدين، فكذلك في حكمه بين النساء، ولأن المعنى الذي منع به الرجال من النظر إلى النساء غير موجود في النظر بين النساء، سواء اتحد الدين أم اختلف، ولأن هذا القول أرفق بالناس، ويرفع حرجًا عنهم، إذ لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذميات.
القول الثالث: أنه يجوز للمسلمة أن تمكن الكافرة من النظر إلى ما ينظر إليه محارمها، وهو قول بعض المالكية، وقول عند الشافعية وصفه النووي بالأشبه، والرملي والخطيب الشربيني بالمعتمد، وهو رواية عند الحنابلة. اهـ.
وهذا القول الثالث هو الأظهر، وهو القول الوسط الذي تجتمع عليه الأدلة، فدخول اليهوديات والمشركات على أمهات المؤمنين يحمل على كشف ما يظهر غالبا عند المهنة. وأثر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يحمل على كشف ما يزيد على ذلك، مما يظهر عند دخول الحمام.
وقد نقل الخلال في جامعه عن الإمام أحمد أنه قال: قد ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية؛ لأنها ليست من نسائهن، وأما أنا فأذهب إلى أنه لا تنظر اليهودية ولا النصرانية، ومن ليس من نسائها إلى الفرج، ولا تقبلها حين تلد، فأما الشعر، فلا بأس، أو قال: أرجو أن لا يكون به بأس. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «حجاب المرأة»: قوله: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} قال: احتراز عن النساء المشركات، فلا تكون المشركة قابلة للمسلمة، ولا تدخل معهن الحمام. لكن قد كن النسوة اليهوديات يدخلن على عائشة وغيرها فيرين وجهها ويديها بخلاف الرجال، فيكون هذا في الزينة الظاهرة في حق النساء الذميات، وليس للذميات أن يطلعن على الزينة الباطنة، ويكون الظهور والبطون بحسب ما يجوز لها إظهاره. اهـ.
وقال الألوسي في روح المعاني: وهذا القول أرفق بالناس اليوم، فإنه لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذميات. اهـ.
والله أعلم.
بحث عن فتوىيمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني