الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من أخطأ خطيئة أو ذنباً ثم ندم على فعله وعقد العزم على عدم العودة إليه، فإن الله يتوب عليه بل ويبدل سيئاته حسنات، قال تعالى في ذكر صفات عباد الرحمن: وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70}، وقال تعالى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ {الأنفال:38}.
وقال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: إن الإسلام يهدم ما قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله. رواه مسلم.
وإن من الصحابة من ألم ببعض الذنوب، فلما تاب تاب الله عليه، ومن هؤلاء كعب بن مالك رضي الله عنه لما تخلف عن غزوة تبوك، وندم على ذلك، تاب الله عليه، وكذلك تاب الله على وحشي قاتل حمزة عم النبي، وانظري الفتوى رقم: 25567، فالله لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، وانظري للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16907، 1106، 1095.
ثم إن هناك أسباباً أخرى غير التوبة يمحو الله بها الذنوب، انظريها في الفتوى رقم: 51247، واعلمي أن ما أنت فيه من الانكسار بسبب ذنبك ذلك وخضوعك بين يدي الله منكسة الرأس، خاشعة الطرف، منكسرة القلب لهو من أسباب كونك قريبة من رحمة الله!! فإن الله يحب سماع أنين المذنبين!! وانظري الفتوى رقم: 4188.
وإن الذين يعيرونك بذنبك ويبصقون عليك آثمون، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مرة: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه: لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تطلبوا عثراتهم، فإن من يطلب عورة المسلم يطلب الله عورته، ومن يطلب الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته. رواه ابن حبان وصححه.
والتعيير من أخلاق الجاهلية، ولذلك لما عير أبو ذر بلالاً بأمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: إنك امرؤ فيك جاهلية.
وما يدري من يبصقون عليك أنهم سيظلون في سلامة ولا يقعوا في مثل ذنبك، فالإنسان ما دام حياً فهو في خوف، ولا يعلم بماذا يختم الله له، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تظهر الشماتة لأخيك، فيعافيه الله ويبتليك. رواه الترمذي وحسنه.
فأنت -مع كونك قارفت الكبيرة- إلا أنك لم تفقدي إيمانك ولا زلت مسلمة فلك حرمة يجب أن تصان، وقد نظر ابن عمر يوماً إلى البيت (الكعبة) فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم عند الله حرمة منك!!.
وقد قال الله تعالى عمن فعل الفاحشة: وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا {النساء:16}، فليتهم خلوك وربك وأعرضوا عنك إذ تبت، ولم يعينوا عليك الشيطان، ولقد أمر رسول الله برجم امرأة غامدية زنت، فأقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد، فسبها، فسمع نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم سبه إياها، فقال: مهلاً يا خالد بن الوليد (وفي رواية أحمد: "لا تسبها") فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له. رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشارب (يعني شارب خمر) فقال صلى الله عليه وسلم: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، ومن الضارب بنعله، فقال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا الشيطان عليه. رواه ابن حبان في صحيحه.
وأما ذلك الفتى الذي فضحك وتسبب في فسخ خطبتك فقد وقع في أكثر من محظور، فضلاً عن كونه قارف كبيرة الزنا، فإنه جاهر بذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافي إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري، ثم إنه قام بفضحك ولم يستر عليك، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم.
والذي ننصحك به هو الصبر، وأن تشكي بثك وحزنك إلى الله، فتناجيه في جوف الليل أن يكشف عنك ما أنت فيه من السوء، وعليك أن تلتزمي لبس الحجاب الشرعي إذا خرجت من بيتك، واجتهدي في تغيير عملك حتى لا يراك من يعلم أمرك فتتأذي بأفعالهم، وعليك بصحبة الصالحات من الأخوات المترددات على المسجد فإنك إن غفلت ذكرنك، وإن ذكرت أعنك، فاقرئي معهم القرآن وتعلمي العلم واقرئي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعلمي أن ما أنت فيه من البلاء لا يقارن بما كان هو فيه.
والله أعلم.