السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر 27 عاماً وقد من الله علي بالالتزام منذ حوالي عامين، وأنا أعمل محاسباً بإحدى الشركات وأتقاضى راتباً جيداً جداً يساعدني على أن أحيا حياة كريمة، ولكني أعمل لفترة كبيرة تصل إلى 12 ساعة في اليوم وباقي الوقت يمضي في النوم وأداء الاحتياجات الدنيوية وأداء احتياجات والدتي وإخوتي ولا أستطيع توفير وقت لطلب العلم الشرعي، حيث إنني أعاني من نقص العلم الشرعي وقلة الفقه في الدين مما يسبب لي إحساساً بالتقصير يؤدي إلى إحساسي بالضيق النفسي دائماً ويعوقني أيضاً عن الدعوة في سبيل الله، مع العلم بأني الآن أحاول حفظ القرآن الكريم، وقد من الله علي بحفظ أربعة أجزاء، ولكن ذلك بعد فترة طويلة جداً من الحفظ، وذلك نظراً لضيق وقت الحفظ والمراجعة، فهل يشرع لي أن أسافر إلى بلاد الحرمين عسى أن ينعم الله علي بعمل يعينني على طاعته وأن أستطيع تحصيل العلم في هذه البلاد المباركة وأنا أكون بجوار الحرم الشريف، وهل إن اختلط بهذه النية نية أخرى هي الحصول على مال يعينني على الزواج ومساعدة إخوتي تكون نيتي غير خالصة لوجه الله تعالى؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ينبغي للمسلم أن يترك تحصيل العلم الشرعي والفقه في الدين، لما للعلم من المكانة عند الله تعالى، حيث قال جل من قائل: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {المجادلة:11}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. متفق عليه، وقال: فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر. رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه.
فإذا لم تكن متمكناً من تعلم ما يُعرف بفرض العين في بلدك، فإن السفر إلى الحرمين الشريفين أو أي بلد آخر لطلب هذا النوع من العلم واجب عليك. روى الطبراني والبيهقي: طلب العلم فريضة على كل مسلم. صححه الألباني.
ولا يضرك في جوار الحرم الشريف وفي طلب العلم أن تكون لك نية أخرى هي طلب الوظيفة والحصول على المال، فإن الله أذن للحجاج في التكسب أثناء الحج، قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ {البقرة:198}، قال ابن جرير عن جمع غفير من السلف: إن هذه الآية نزلت في التجارة في موسم الحج.
لكن ننبهك إلى أمرين: الأول: هو أن فرض العين يقال لما يحتاجه كل شخص في أموره الخاصة به، كأن يتفقه في عبادته من طهارة وصلاة وصوم وحج، ثم إنه إذا كان يمارس عملاً تجارياً فإن عليه أن يتفقه فيما يزاوله على الدوام من هذا العمل.
الأمر الثاني: أنك ما دمت محتاجاً إلى هذا العمل الذي أنت فيه الآن لإعانة نفسك ووالدتك وإخوتك فلا ينبغي لك تركه إلا عندما توفر بديلاً مباحاً حتى لا تضيع نفسك ومن تعولهم.
والله أعلم.