السؤال
أفتونا مأجورين...أشكلت علي مسألة في قبول أعمال البر والخير والتي لا يصاحبها نية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى؛ وهي أن كثيراً من الناس ممن يقوم بأعمال خير كثيرة إلا أن عمله لا يصاحبه نية التقرب إلى الله بل الدافع إلى ذلك عرف الناس والتقليد والخوف من العيب والملامة؛ مثل إكرام الضيف وغيرها كثير من الأخلاق والأعمال؛ والتي لا يلازمها أبداً ولا يخطر بباله القيام بذلك العمل للتقرب إلى الله؛ بل تجده إذا ذهب إلى مكان يبعد فيه عن الناس الذين يراقبونه! -إذا صح التعبير- في تصرفاته؛ تغير ولم يقم بما كان يفعله عادة؛ هذا إذا لم يفعل عكسه.... فهل تلك الأعمال مقبولة عند الله، مثابٌ عليها العبد وهي من القربات وإن لم تصاحبها نية التقرب إلى الله؟ أتمنى أن يكون سؤالي مفهوماً..وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به وجهه، وقصد به التقرب إليه سبحانه، فقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. رواه البخاري ومسلم.
وعلى هذا، فإن من علت همته، وأراد أن ينال الأجر والثواب من الله فليفعل الخير، وليحتسب أجر ذلك عنده سبحانه، فإن الله يجزي على الحسنة عشرة أمثالها، ويضاعف الأجر لمن يشاء، وإن من ظلم الإنسان لنفسه أن يعمل وينفق ثم لا يكون عمله هذا في ميزان حسناته.
قال العلامة عمر سليمان الأشقر في أطروحته للدكتوراه (مقاصد المكلفين) ما نصه: الأفعال والأقوال المباحة كثيرة جداً، وإذا لم يقصد بها العبد النية الخيرة فإنها لن تعود عليه بالنفع الأخروي، فإذا أحسن المكلف القصد والتوجه حين القيام بها، فإن هذه الأعمال من المطعم والمشرب والنوم والمتاجرة والصناعة تصبح ثروات عظيمة تنفعنا عندما نقدم على ربنا يوم القيامة، لذلك حث العلماء ورغبوا في استحضار النية عند المباحات والعاديات، ليثاب عليها ثواب العبادات مع أنه لا مشقة علينا في القيام بها، بل هي مألوفة للنفس مستلذة، وهذا من عظيم سعة رحمة الله، وكبير منته، أن أباح لعباده الطيبات التي يشتهيها، ثم مع ذلك يثيبه عليها بحسن نيته.
وقد وضح لنا أهل العلم كيف تكون نياتنا في المباح، فقد ذكر الغزالي ما يمكن أن ينوي بالطيب، فمن الممكن أن ينوي به اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة، وينوي بذلك أيضاً تعظيم المسجد عند مجاورته بروائحه، وأن يقصد به رفع الروائح الكريهة عن نفسه التي تؤدي إلى إيذاء مخالطيه، وأن يقصد حسم باب الغيبة عن المغتابين إذا اغتابوه بالروائح الكريهة، فيعصون الله بسببه. اهـ
وكل ما سبق متعلق بالعادات ومحاسن الأخلاق، أما العبادات فشأنها عظيم، وأمرها خطير، وإن من يؤدي العبادات المشروعة ابتغاء ثناء الناس فقد وقع في الشرك ولا يقبل الله عمله، بل يرده ويؤاخذه عليه، قال صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً فأشرك فيه غيري فأنا منه بريء، وهو كله للذي أشرك. رواه البخاري.
فإخلاص الدين لله هو الدين الذين لا يقبل الله سواه، فهو الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به جميع الكتب، وهو خلاصة الدعوة النبوية، وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاه، وانظر الفتويين: 10992، 52210.
فإن فيهما بيان حقيقة الرياء وأنواعه، وطريقة قلعه من القلب وغرس الإخلاص لله مكانه، واعلم أن من أراد الله بعمله وأخلص في عبادته ولم يرج غيره، ثم أثنى عليه الناس دون أن يقصدهم بعمله، ففرح بثنائهم هذا فلا شيء عليه، بل إن ذلك هو عاجل بشرى المؤمن، وانظر بيان ذلك في الفتوى رقم: 41236.
والله أعلم.