السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبعد : ما حكم الوقف على كلمة =أهواءكم= في سورة الأنعام من قوله تعالى = قل لا اتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين. على= فاختلط = في سورة يونس. =وحجرا =في سورة الفرقان من قوله تعالى ويقولون حجرا محجورا.= وتستعجل = في سورة الأحقاف من قوله تعالى ولا تستعجل لهم كأنهم=الآية. علما بأن كلما ذكر من الكلمات يقفون عليها من رواية ورش عن نافع. أجيبونا أثابكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الوقف على كلمات القرآن يجوز ما لم يتعمد القارئ وقفا يوهم خلاف المعنى المراد من الآية، كما قال الجزري رحمه الله:
وليس في القرآن من وقف وجب * ولا حرام غير ما له سبب
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 58864 والفتوى رقم: 14772.
إلا أن العلماء استحسنوا اجتهادا منهم بعض الوقوف واعتنوا بها نظرا لاعتبارات معينة، وقد تكلم علماء القراءات والتفسير على ذلك، فذكر السيوطي في الإتقان أنه كان الإمام أبو عمرو يقف عند رؤوس الآي، وكان نافع يقف بحسب المعنى، وكان عاصم والكسائي يقفان حيث تم الكلام، وكان ابن كثير وحمزة يقفان حيث ينقطع النفس، ثم إن هذه الأوقاف المسؤول عنها هي من اختيار الإمام القارئ العلامة محمد بن أبي جمعة الهبطي المغربي المتوفى سنة 930، ووقفه متبع عند المغاربة، وقد طبعت به بعض مصاحف ورش وقالون، وهما تلميذا نافع الذي سبق أن بينا أنه كان يراعي في الوقف المعنى، وقد ذكر أهل العلم أن الهبطي كان يراعي في الوقف رؤوس الآي كما يراعي في الآيات الطويلة الكلمات التي يتم عندها المعنى والإعراب، أو الإعراب دون المعنى أو المعنى دون الإعراب، وقد كان الهبطي عالما في التفسير، وقد وافق في أكثر وقفه من سبقه من العلماء الذين تكلموا عن الوقف كالداني وابن الأنباري، وخالفهم في بعض الأوقاف.
وقد استشكل أهل العلم بعض أوقافه وانتقدوها منهم المارغيني صاحب النجوم الطوالع، وبعضهم حاول التماس معاني لها.
والآن نتكلم على هذه الكلمات المسؤول عنها.
فأما آية الأنعام فليس فيها مانع من الوقوف عليها لعدم تعلق كلمة أهواءكم في اللفظ بما بعدها وإن كان لها تعلق بما بعدها من ناحية المعنى، فإن التعلق بالمعنى لا يمنع الوقوف بين الكلمتين إذا لم يوهم خلاف المعنى المراد من الآية.
وأما كلمة فَاخْتَلَط فالظاهر من كلام المفسرين أنه لا يوقف عليها، لأن عباراتهم تفيد أن فاعل فَاخْتَلَط هو نبات الأرض، وهذا هو ظاهر كلام القرطبي والطبري وغيرهما.
وقد سوغ بعض أهل العلم الوقف على فَاخْتَلَط ثم يبدأ بقوله تعالى: بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ وهذا على أن بِهِ نَبَاتُ متعلق بمحذوف، والتقدير كائن به نبات الأرض، وفاعل اخْتَلَطَ هو ضمير يرجع إلى الماء، فالمعنى أن الماء نزل إلى الأرض فاختلط بها فنبت بسببه ما في الأرض من النبات، ولا يخفى أن عدم الوقف هو الأولى.
وأما حِجْراً فأغلب العلماء على أنه لا يوقف عليها، وقد ذكر الشيخ زكريا الأنصاري في كتابه "المقصد لتلخيص ما في المرشد في الوقف والابتداء" قولا بجواز الوقف عليها، وأن الوقف عليها تام بناء على أن حِجْراً من كلام المجرمين ومَحْجُوراً من كلام الله تعالى.
وقد نقل القرطبي في التفسير القول بهذا عن الحسن البصري، ونقل عن مجاهد أن حِجْراً من كلام المجرمين ومَحْجُوراً من كلام الملائكة.
وأما وَلاَ تَسْتَعْجِل فأغلب أهل العلم على عدم الوقف عليها لتعلق كلمة لهم بها.
ونقل القرطبي والبيضاوي قولا يفيد الوقف عليها بناء على أن لَهُمْ متعلقة بقوله: بَلاَغٌ وأن ما بينهما جملة اعتراضية، وهذا التوجيه واضح ولكن الوقف على لهم هو الأولى، وعليه يكون بَلاَغٌ خبر مبتدأ محذوف والتقدير هذا بلاغ، كما قال الطبري وتابعه ابن كثير.
والله أعلم.