السؤال
أنا شاب عمري 17 سنة، أدرس في مدرسة تحفيط القرآن الكريم في إحدى القرى القريبة منا ولله الحمد كنت من المتفوقين ....ولكن أنا الآن نسيت الكثر مما حفظة لعدم مراجعتي وانشغالي في أمور أهلي لأني أنا الولد الأكبر لأبوي ولا توجد لدينا حلقات تحفيظ، وأشعر أني مقصر، بل أنا مقصر، وأشعر بأني عصيت الله ولم أحافظ على ما أكرمني به، وأشعر بضيق في نفسي، وأظن أن ذنوبي أكثر من حسناتي . فيا آبائي أفيدوني وأرشدوني وخذوا على يدي، ولقد توفي صديقي الوحيد قبل 5سنوات بسبب السكر (ادعوا له بالرحمة ) الذي كنت ألازمه ويلازمني وأشكو له ما بي وكان ينصحني ويوجهني ....أرجو منكم إفادتي .وهل هناك طريقة سهلة للمراجعة فلا يوجد لدينا ممن حولنا من يتقن القراءة فأريد طريقة لكي أراجع وحدي وهل أنا ممن يأتي القرآن يوم القيامه حجة عليهم لا لهم ,؟ أنا الآن أراجع البقرة ولم يبق إلا القليل وأختمها وأبدأ بسورة آل عمران ولكن ... ابتليت بكثرة النسيان ليس بالحفظ فقط بل في أموري كلها.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن سبب نسيان القرآن والتفريط في تعاهده قد يكون بسبب معصية ارتكبها المرء، ونسيانه من الذنوب إن لم يكن بعذر قاهر، بل عده بعضهم من الكبائر، قال شيخ الإسلام في الفتاوى: فإن نسيان القرآن من الذنوب. وقال ابن حجر في الفتح: واختلف السلف في نسيان القرآن، فمنهم من جعل ذلك من الكبائر، وأخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفا قال: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه، لأن الله يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ{الشورى:30}. ونسيان القرآن من أعظم المصائب، واحتجوا أيضا بما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أنس مرفوعا: عرضت علي ذنوب أمتي، فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها. في إسناده ضعف. وقد أخرج ابن أبي داود من وجه آخر مرسل نحوه، ولفظه: أعظم من حامل القرآن وتاركه. ومن طريق أبي العالية موقوفا: كنا نعد من أعظم الذنوب أن يعلم الرجل القرآن، ثم ينام عنه حتى ينساه. وإسناده جيد. ومن طريق ابن سيرين بإسناد صحيح: الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه، ويقولون فيه قولا شديدا. ولأبي داود عن سعد بن عبادة مرفوعا: من قرأ القرآن، ثم نسيه لقي الله وهو أجذم. وفي إسناده أيضا مقال، وقد قال به من الشافعية أبو المكارم والروياني، واحتج بأن الإعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن، ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره. وقال القرطبي: من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه، فإذا أخل بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها ناسب أن يعاقب على ذلك، فإن ترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد. وقال إسحاق بن راهويه: يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن، ثم ذكر حديث عبد الله -وهو ابن مسعود-: بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت. اهـ.
ولكن هذا التشديد في نسيان القرآن هو فيمن ترك تعاهده وغفل عنه حتى تفلت، أما من كان يتعاهده مشتغلا به لكنه ينساه لسوء حفظه أو لأمر آخر فهذا لا مؤاخذة عليه؛ إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ثم إن علاج النسيان يكون بأدوية منها: التوبة الصادقة مما سلف، قال الله تعالى : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{النور: 31}. ومنها: التقوى والصلاح، قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ{البقرة: 282}. وقال الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * فأرشدني إلى ترك المعاصي .
وأخــبرني بـأن العلم نـور * ونور الله لا يهدى لعاصي.
ومنها: استحضار فضل تلاوة القرآن وما فيها من الأجر والثواب، واستحضار خطورة نسيان القرآن، وأنه أشد تفلتا من الإبل في عقلها، وأنه لا يسلمه من ذلك إلا المراجعة؛ كما في حديث الصحيحين: تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها. ومنها: تدبر المعاني حتى يتذوق طعم القرآن. ومنها: توزيع الوقت على جميع الأعمال، وإعطاء وقت ثابت منه للمراجعة وهذا أفضل وسيلة في هذا الباب، والأحسن أن يستخدم في ذلك الوقت الثابت بعض الوسائل، من أهمها: قيام الليل حيث يستفيد الإنسان من وقت الهدوء وراحة البال. ومنها: ترتيب الأمر مع أحد الطلاب حتى يسمع كل منهما لصاحبه، ويمكن أن يرتب ذلك مع زوجته أو ولده أو أحد إخوانه. ومنها: الصبر على طلب العلم، والمثابرة، وعدم الملل والضجر، والتذلل لذلك. ومنها: عدم الانشغال أثناء القراءة وطلب العلم، والابتعاد عن أماكن الضوضاء والملاهي واللهو، ويفضل أن يكون ذلك في مسجد. ومنها: أن تقرأ أو تتعلم لتفيد وتستفيد في دينك قبل دنياك، لا تتعلم لأجل دنيا، أو ليقال عنك عالم، أو لتنتصر في جدال،. فقد روى الطبراني والترمذي من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار. ورواه ابن ماجه عن ابن عمر، وعن ابن دريك. ومنها: أن يكون حفظك لما تقرأ على التدريج، قليلا قليلا مع الأيام، فقد قال معمر: سمعت الزهري يقول: من طلب العلم جملة فاته، وإنما يدرك العلم حديثا وحديثين، وليكن الإتقان من شأنه. ويمكن الاستعانة بما تيسر من التقنيات المعاصرة كالشريط المسموع، ومتابعة حلقات التحفيظ في العالم عبر الانترنت أو التلفزيون أو الإذاعة.
هذا، ومن أهم أسباب الاستقامة على دين الله اتخاذ رفقة صالحة من الشباب الصالحين، ففتش عنهم ، وشاركهم في طلب العلم النافع، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وقد قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ {الكهف: 2} واشهد الصلاة في جماعة، وحافظ على ذكر الله تعالى وخصوصاً الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وأدبار الصلوات وعند النوم، وتجدها وغيرها في كتاب" حصن المسلم" للقحطاني، وأكثر من سماع الأشرطة الإسلامية.
والله أعلم.