السؤال
أنا شاب أؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وأؤدي الفرائض ولو أن لي بعض الذنوب التي لا تصل إلى الكبائر مثل النظر إلى النساء وتمنيهن
والسؤال أني حاولت مرارا أن أتقرب إلى الله وأن أكون من الصالحين وأن يعلو قدري عند الله عز وجل ولكن تأتيني فكرة تجعلني أتكاسل عن الطاعات وهي أن الله عز وجل عظيم عظمة لا تعيها عقولنا وقدير قدرة لا حدود لها سبحانه جل شأنه وعنده ملك عظيم أهم مني ومن أمثالي من البشر العاديين وأشعر بضآلة الطاعات وبأني قليل الشأن أمام عظمة الخالق ومهما فعلت فما هذا الذي يعلي شاني وقيمتي عند رب هذا الكون وجزاكم الله خيرا على هذا الجهد الرائع
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه الفكرة التي تأتيك أحيانا بأن الله عز وجل عظيم عظمة لا تعيها عقولنا، وقدير قدرة لا حدود لها سبحانه جل شأنه، وأن عنده ملك عظيم أهم منك ومن أمثالك من البشر، وما تشعر به من ضآلة الطاعات، وبأنك قليل الشأن أمام عظمة الخالق، هي في الحقيقة فكرة مصيبة، إذا كنت تستغلها على الوجه الصحيح. وذلك أن رباً له من الملك والعظمة والقدرة ما ذكرته، جدير بأن يطاع في جميع أوامره، وأن تجتنب جميع نواهيه. لا لأن الطاعة في حد ذاتها لها مزية عند الله، ولا أن المعصية ذات ضرر على الله.
كلا!! فالله تعالى غني عن جميع أفعال العباد، ولكنه بفضله وحكمته أراد بما أمر به أو نهى عنه أن يختبر طاعتنا له وانقيادنا لشرعه، فيجازينا طبقا لذلك بما نستحقه.
واعلم أن قبول العمل إنما يتم بتوفيق من الله تعالى وتفضل منه، إضافة إلى أن العمل في حد ذاته لا يكون سببا في دخول الإنسان الجنة، فلا تدخل الجنة إلا بالتكرم من الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لن يدخل أحدا عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا. متفق عليه وهذا لفظ البخاري.
واعلم كذلك أن على العبد أن يحسن الظن بالله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني) رواه بهذا اللفظ البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كما رواه مسلم، وأحمد والترمذي وغيرهم.
قال الحافظ في الفتح: (أنا عند ظن عبدي بي): أجازيه بحسب ظنه بي، فإن رجا رحمتي وظن أني أعفو عنه وأغفر له فله ذلك، لأنه لا يرجوه إلا مؤمن علم أن له ربا يجازي، وإن يئس من رحمتي وظن أني أعاقبه وأعذبه فعليه ذلك، لأنه لا ييأس إلا كافر)...
واعلم أيضا أن هذا اليأس الذي ينتابك في الشعور الذي ذكرت، إنما هو من الشيطان يريد أن يصرفك عما أنت فيه من العبادة، وأن يجرك إلى المعصية.
ثم هذه الذنوب التى ذكرت أنك تفعلها أحيانا، وأنها لا تصل إلى الكبائر، وهي مثل النظر إلى النساء ونحوه، فاعلم أن الاستخفاف بها قد يكون سببا في الهلاك، والعياذ بالله. فمن وقع في خطإ أو معصية، فعليه أن لا يستقلها وأن لا يستخف بها، فإن ذلك سلوك الفجرة، روى البخاري عن ابن مسعود أنه قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا " قال: أبو شهاب بيده فوق أنفه.
قال الحافظ ابن حجر: قال ابن أبي جمرة: (ويستفاد من هذا الحديث أن قلة خوف المؤمن ذنوبه وخفتها عليه يدل على فجوره).
ونسأل الله أن يمن عليك بالهداية والاستقامة، إنه على ذلك قدير.
والله أعلم.