السؤال
أعلم أن حلق اللحية حرام بإجماع الأئمة الأربعة وبكلام السلف الصالح وأنا والحمد لله مرخ للحية، ولكن أود أن أتأكد من هذه المقولة التي سمعتها من أحد كبار علماء الحديث بأن حلق اللحية من أعمال الفسق الظاهر، ولا يجوز أن تأخذ من الحالق رواية الحديث! فهل هذه المقولة صحيحة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه ذهب الجمهور إلى حرمة حلق اللحية، والمعتمد في المذهب الشافعي كراهتها، وبهذا يعلم عدم الإجماع على حرمة حلقها، ولكنه ثبت النهي عنه في عدة أحاديث صحيحة.
وأما عن الأخذ عن حالقها فإن الأصل أن يأخذ طالب العلم عن العلماء الربانيين العاملين أهل التقوى والصلاح ويحرص على صحبتهم ليتعلم منهم العلم والعمل والأخلاق... فإذا لم يجدهم فلينتقل إلى الأمثل فالأمثل...
ولا يأخذ العلم ممن ليس أهلا للقدوة من أهل البدع والمعاصي، إلا إذا لم يجد غيرهم، فهنا يجوز له أن يتعلم منهم، ولكن عليه أن ينتبه ويحذر من الاقتداء بهم في معاصيهم، فقد كان السلف الصالح رحمهم الله ينتقون المشايخ الذين يأخذون عنهم العلم ويحذرون من أهل البدع والأهواء، وربما تجنبوا بعض العلماء الصالحين الذين عندهم بعض التغفل.... فقد قال الخطيب البغدادي: ينبغي للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة، وعرف بالستر والصيانة، وروى بسنده عن محمد بن سيرين قال: إنما هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه. ورواه مسلم في المقدمة. انتهى.
وكان الإمام مالك رحمه الله تعالى يقول: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه.... ولقد أدركت في هذا المسجد -يعني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم- سبعين ممن يقول: قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أحدهم لو اؤتمن على بيت مال لكان به أميناً، فما أخذت منهم شيئاً لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، فلما قدم علينا محمد بن شهاب الزهري، ازدحمنا على بابه وكان شاباً.... انتهى، ذكر ذلك عن مالك بروايات مختلفة ابن عبد البر في التمهيد والذهبي في السير.
وقال بعضهم: من فضل الله على الحدث أن يوفق إلى صاحب سنة.
وقد شرط المحدثون في رواة الحديث العدالة، وقد ذكر ابن حجر في نخبة الفكر في تعريف العدالة: أن العدالة ملكة في الشخص تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، والتقوى اجتناب الأعمال السيئة من الشرك والفسق والبدعة وفي الاجتناب عن الصغيرة خلاف والمختار عدم اشتراطه لخروجه عن الطاقة إلا الإصرار عليها لكونه كبيرة. انتهى.
وقال ابن عاصم في تحفته:
والعدل من يجتنب الكبائرا * ويتقي في الغالب الصغائرا
وما أبيح وهو في العيان * يقدح في مروءة الإنسان
والحاصل أنه ينبغي لطالب العلم أن ينتقي مشايخه، وإذا لم يجد الشيخ المطلوب فله أن يتعلم العلم على غيره ولا يجعل انتشار الفسوق مبرراً لترك التعلم، وليعلم أنه لا عصمة لأحد بعد الرسل، وأن خطأ المعلم والناصح لا يمنع من الاستفادة منه، فقد ثبت في البخاري أن أبا هريرة قبل النصيحة من الشيطان بعد ما عرف قيامه بالتلصص والكذب ثلاث مرات، ومن المعلوم أن أبا هريرة من أعلم الصحابة وشيخه هو أعلم خلق الله، ولكن هذا لم يمنعه من الاستفادة من غيره مع علمه بانحرافه، ويتأكد التثبت فيما يلقيه المنحرف ليعلم هل هو صحيح أم لا، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46100، 14055، 2711 .
والله أعلم.