السؤال
أنا إنسانة أعترف أمام ربي أنني اقترفت في حياتي الكثير من المعاصي وكان ذلك نتيجة أنني تعرضت للإيذاء من قبل الكثير من الناس , مارست الكثير من السلوكيات التي يخجل الإنسان من ذكرها, ومنها الكبائر التي حرمها الله,
أنا أقف الآن أمام الله لأعلن توبتي هل أستطيع أن أفعل ذلك وهل المغفرة تجوز لي أم لا, إنني أريد أن أتوب بالصلاة , عسى أن يتقبل الله توبتي, أرجو منكم يا إخوتي أن تقفوا إلى جانبي , أنا أعترف أنني كنت من العاصين , ولكن الندم يأكلني يوما بعد يوم, فأنا أم لطفلين وزوجة وأريد أن أحمي وأحافظ على عائلتي من عواقب عصياني لله أيام شبابي, أسألكم أن ترشدوني ماذا أفعل, فما أستطيع فعله هو الصلاة ولكن هل تكفي, ولأكون صريحة معكم أن الغيرة التي تمتلكني هي من مسببات ارتكابي للمعاصي, فكيف من الممكن أن أتغلب عليها
وشكرا لكم
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من أخطأ خطيئة أو أذنب ذنبا ثم ندم على فعله وعقد العزم على عدم العودة إليه فإن الله يتوب عليه بل ويبدل سيئاته حسنات، قال تعالى في ذكر صفات عباد الرحمن: وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68-70} وقال: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال: 38}
وقال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: إن الإسلام يهدم ما قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله رواه مسلم
فالصحابة قبل إسلامهم وقعوا في كثير من كبائر الذنوب والمعاصي، وأعظم ذلك الشرك بالله، ولكن لما أسلموا وتابوا صاروا أئمة وأعلاما نصر الله بهم الدين وهدى بهم خلقا كثيرا بل لم يصل إلينا الدين إلا من خلالهم.
ثم إن من الصحابة من فعلوا كبائر الذنوب بعد إسلامهم، ولكن لما تابوا تاب الله عليهم، ومن هؤلاء كعب بن مالك رضي الله عن،ه فقد تخلف عن غزوة تبوك ثم ندم على ذلك فتاب الله عليه، مع أن التخلف عن الغزو مع الرسول صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب، وكذلك تاب الله على وحشي قاتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم وتاب الله على ماعز والغامدية لما زنيا وجاءا تائبين نادمين باكيين، فالله لا يتعاظمه ذنب أن يغفره وانظري للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25567، 16907، 1106، 1095.
ثم إن هناك أسبابا أخرى غير التوبة يمحو الله بها الذنوب، انظريها في الفتوى رقم: 51247، واعلمي أن ما أنت فيه من الانكسار بسبب ذنبك ذلك وخضوعك بين يدي الله منكسة الرأس خاشعة الطرف منكسرة القلب لهو من أسباب كونك قريبة من رحمة الله، فإن الله يحب سماع أنين المذنبين، وانظري الفتوى رقم: 4188، ولمزيد فائدة انظري الفتوى رقم: 5398.
واحذري أيتها الأخت الكريمة من ترك الصلاة فإن تركها من كبائر الذنوب بل إن كثيرا من أهل العلم على أن تارك الصلاة تكاسلا كافر كفرا أكبر مخرجا من الملة، وانظري الفتوى رقم: 6061.
وكذلك ينبغي أن تجاهدي نفسك وتتغلبي على تلك الغيرة المفرطة وأن لا تستسلمي لما يبثه الشيطان في قلبك من أوهام وخيالات وظنون سيئة، مما يجعلك تشكين في تصرفات من حولك فتفسد عليك حياتك فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل، ومنها ما يبغض الله عز وجل، فأما الغيرة التي يحب الله عز وجل فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله عز وجل فالغيرة في غير ريبة رواه النسائي وحسنه الألباني.
وقد تكون هذه الغيرة والوساوس من آثار ذنوبك السالفة فجعلتك تسيئين تأويل ما يمر بك من مواقف وتحملينها على أسوأ المحامل، وقد قال المتنبي:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه * وصدق ما يعتاده من توهم
وعادى محبيه بقول عداته * وأصبح في ليل من الشك مظلم
فاسألي الله بذل وإلحاح أن يتقبل توبتك وأن يلهمك رشدك وأن يكفيك شر الشيطان وشر نفسك وأن يرزقك السعادة الزوجية.
والله أعلم.