السؤال
أنا فتاة، أبلغ من العمر 22 سنة، والدي متوفى، وكنت أحبه جداً، ومتعلقة به، ومات وهو راض عني والحمد لله، وأنا أدعو له بكل صلاة، وملتزمة جداً، ولكن عندي مشكلة في حياتي كلها وهي: أن أمي إنسانة غريبة جدًا، وعصبية، ومتسلطة، ومتحكمة جدًا، ومعاملتها لنا سيئة، ولسانها بذيء، ولا تترك أحدًا من شر أعمالها، ولسانها، ولا تحب أهل والدي، يزوروننا، ولا تريد أن نزورهم، وكثير من هذه الأمور.
كما أنها أيضًا كثيرة الغضب، تغضب لأتفه الأمور والأسباب، وأنا أحاول أنا أكسبها بأي طريقة، وأحاول أن أعمل كل شيء يرضيها، ولكن دون جدوى، وأنا كثيرة الخوف بأن صلاتي وصيامي غير مقبول، بسبب عدم رضاها، ولا أدري ما أفعل!!
قبل التزامي كنت أشتمها بيني وبين نفسي، وأدعو عليها بالموت، لأني لا أشعر أنها أمي، ولا أتذكر أنها يومًا عانقتني، أو قبلتني، فهي قاسية جداً، وأنا أحاول أن أكون معها لينة، ولكن دون فائدة. فهل صلاتي، وصيامي، وكل التزامي لا فائدة منه؟
وماذا أفعل كي أريح ضميري معها؟ وهل الدعوة عليها بالموت ذنب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أحسسنا بمعاناتك وتألمنا لألمك، واعلمي -أيتها الأخت المؤمنة- أن سلعة الله غالية، وسلعة الله الجنة، وأن دخول الجنة يحتاج منا إلى صبر على طاعة الله تعالى، وحمل النفس على ما تكره، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ. رواه مسلم في صحيحه. وانظري الفتوى: 3293.
فاصبري على ما تجدين من أمك، واكظمي غيظك، واجتهدي في حسن صحبتها، وتحببي إليها، وابذلي الوسع لترضى عنك، ومن ذلك أن تقبِّلي رأسها ويديها، وأن تنظري إليها بشفقة ورحمة، وأن تهدي إليها شيئاً تحبه ويفرح قلبها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: تَهَادَوْا، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ. رواه أحمد، والترمذي.
وفي رواية: تَهادُوا؛ فإن الهدية تسلُّ السَّخيمة. ومعنى وحر الصدر: أي غله وغشه وحقده.
واعلمي أن أمك هي أوسط أبواب الجنة، بل إن الجنة تحت قدمها، واعلمي أن أمك مهما قصرت في حقك، فإن حقها من البر والطاعة في المعروف يظل باقياً، وانظري الفتاوى التالية: 22112، 17754، 8173، 2894، 4296، 5925، 11649.
ثم اعلمي أن تغيرك في التعامل معها سيؤدي حتماً (مع الصبر والتوكل) إلى تغيرها في التعامل معك، فبادري، وابدئي بنفسك، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد: 11}.
واستعيني بالله تعالى، واسأليه بِذُلٍّ وإلحاح أن يصلح ما فسد من العلاقة بينكما، وأن يصل ما انقطع، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وانظري ثواب الصابرين في الفتويين: 8601، 32180.
ثم أعلمي أنه لا تأثير لغضبها عليك على عبادتك وصلاتك وصيامك، وأن ما تفعلينه من الطاعات إذا استوفى شروطه وأركانه ولم يكن ثمة موانع؛ فإن الله يقبلها ويثيبك عليها، ولن يضيعها عليك، قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ {البقرة: 143}، فلا تستسلمي للوساوس.
واحذري من الدعاء عليها بالموت، فإن ذلك من العقوق، وإن كنت قد ألممت ببعض من قبل، فتوبي إلى الله، ولا تعودي لذلك أبداً، وتذكري أنها سبب وجودك في الحياة، فكيف تتمنين زوالها منها؟!
والله أعلم.