السؤال
أبي يميز في المعاملة بيني وبين أخي, وبين أولادي وأولاد أخي. ولذلك في كثير من الأحيان أجد صعوبة بالغة في نفسي للحديث معه. علما أنني لا أسيء الأدب معه. أعلم أنه ينبغي لي الاجتهاد في طلب رضاه ولكنني أرى منه التمييز في المعاملة في كل لحظة. فهل ترك الحديث معه قطيعة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لك أن تسيء الأدب إليه ولا أن تظهر له الجفاء؛ فقد قال تعالى: فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23، 24}. ومن ذلك الإعراض عنه وعدم الحديث معه، فكل ذلك من قطيعته المحرمة شرعًا؛ كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {الرعد:25}.
وقد بينا حقيقة بر الوالدين وما يجب لهما وحرمة عقوقهما وقطيعتهما، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3109، 3459، 5339، 5925، 16455.
كما لا يجوز لأبيك أن يميز بينك وبين أخيك في الهبات والعطايا وغيرها. وأما الميل القلبي إلى أحدكما لإحسانه أو بره ونحو ذلك فلا إثم فيه، إذ لا يملك المرء التحكم فيه، ولكن في الكلمات وإظهار الحب لهذا والجفاء لذلك وهبة هذا ومنع ذاك بغير مسوغ معتبر كحاجة أحدهما إلى ما لا يحتاج إليه الآخر ونحوه كل ذلك لا يجوز على الراجح لما ينتج عنه من عداوة بين الأبناء وحسد بعضهم لبعض، وقد قال صلى الله عليه وسلم للنعمان بن بشير: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذًا. رواه مسلم.
وقد بينا كلام أهل العلم من ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 893، 5348، 6242. ولمعرفة حكم التمييز بينهم في المعاملة انظر الفتوى رقم: 19505.
كما لا ينبغي له أن يميز بين أبناء أبنائه لما يورثه ذلك من عداوة بينهم وحسد بعضهم لبعض وجفاء في قلوب آبائهم وأمهاتهم وإن كان لا يجب عليه العدل بينهم في العطية مثل الأبناء كما بينا في الفتويين رقم 65195، 4718.
ولكن إذا قصر هو في الواجب عليه فلا يبيح ذلك قطيعته وعقوقه أو إساءة الأدب عليه، وربما كنت مقصرًا في حقه بعيدًا عنه فصرفه ذلك عنك إلى أخيك. فعليك أن تجتهد في بره والإحسان إليه وإن أساء إليك، فإن حقه عليك عظيم. وانظر الفتوى رقم: 16632.
والله أعلم.