السؤال
كيف يمكن الجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام "يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " وبين قوله عليه السلام "لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم ولا على خدمكم أن توافقوا من الله تعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجاب لكم"؟
كيف يمكن الجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام "يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " وبين قوله عليه السلام "لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم ولا على خدمكم أن توافقوا من الله تعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجاب لكم"؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالظاهر أن حديث الدعاء على النفس والولد يخصص الحديث الآخر كما يدل له في الدعاء على المال ما روى مسلم عن أبي برزة الأسلمي قال: بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم إذ بصرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وتضايق بهم الجبل فقالت: حل اللهم العنها، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة.
وكما يدل له في دعاء الوالد ما في قصة جريج الواردة في الصحيحين ودعاء أمه عليه ونصه، كما في رواية مسلم: حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن أبي رافع عن أبي هريرة أنه قال: كان جريج يتعبد في صومعة فجاءت أمه قال حميد: فوصف لنا أبو رافع صفة أبي هريرة لصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه حين دعته كيف جعلت كفها فوق حاجبها ثم رفعت رأسها إليه تدعوه فقالت: يا جريج أنا أمك كلمني فصادفته يصلي فقال: اللهم أمي وصلاتي فاختار صلاته فرجعت ثم عادت في الثانية فقالت: يا جريج أنا أمك فكلمني، قال: اللهم أمي وصلاتي فاختار صلاته، فقالت: اللهم إن هذا جريج وهو ابني وإني كلمته فأبى أن يكلمني، اللهم فلا تمته حتى تريه المومسات، قال: ولو دعت عليه أن يفتن لفتن، قال: وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره، قال: فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الراعي فحملت فولدت غلاماً فقيل لها ما هذا، قالت: من صاحب هذا الدير، قال: فجاؤوا بفؤوسهم ومساحيهم فنادوه فصادفوه يصلي فلم يكلمهم، قال: فأخذوا يهدمون ديره فلما رأى ذلك نزل إليهم فقالوا له: سل هذه قال فتبسم ثم مسح رأس الصبي فقال: من أبوك، قال: أبي راعي الضأن، فلما سمعوا ذلك منه قالوا: نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة، قال: لا ولكن أعيدوه تراباً كما كان ثم علاه.
قال ابن حجر في فتح الباري: وفي الحديث أيضاً عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان الولد معذوراً لكن يختلف الحال في ذلك بحسب المقاصد. وفيه الرفق بالتابع إذا جرى منه ما يقتضى التأديب، لأن أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة ولولا طلبها الرفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو القتل. انتهى.
فدعوة الوالد على ابنه عدها النبي صلى الله عليه وسلم من الدعوات المستجابة، كما في الحديث: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر. رواه أحمد وأبو داود وحسنه الأرناؤوط والألباني.
وفي حواشي الشرواني على تحفة المحتاج: ويكره للإنسان أن يدعو على ولده أو نفسه أو ماله أو خدمه لخبر مسلم في آخر كتابه وأبي داود عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب له، وأما خبر أن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه فضعيف نهاية ومغني قال: الرشيدي والظاهر أن المراد بالدعاء الدعاء بنحو الموت وأن محل الكراهة عند الحاجة كالتأديب ونحوه وإلا فالذي يظهر أنه بلا حاجة لا يجوز على الولد والخادم فما في حاشية الشيخ ع ش من أن قضية سياق الحديث أن الظالم إذا دعا على المظلوم ووافق ساعة الإجابة استجيب له وإن كان الظالم آثما بالدعاء... إلخ محل توقف. انتهى.
ملحوظة: قول الشرواني (ع ش) يعني به علي الشبراملسي.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني