السؤال
كيف يتم الالتزام بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه يتعين على المسلم الاعتراف لله بنعمه وحقه في العبادة والتشريع والانقياد له، مع المتابعة والمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين عاصروا تنزل الوحي وطبقوه تطبيقاً كاملاً نالوا به كمال الإيمان ورضوان الله وجعل الله إيمانهم ميزاناً للإيمان الحق، ولا يحصل ذلك إلا بتعلم الوحي كتاباً وسنة ثابتة، وبالاقتداء بالصحابة ومن تابعهم بإحسان في فهمهم للوحي وتطبيقهم له؛ لأنهم أزكى هذه الأمة نفوساً وأطهرها قلوباً وأكثرها علماً وأقلها تكلفا، فقد زكاهم الله عز وجل وأكثر من الثناء عليهم في القرآن فوعدهم بالجنة وأخبر برضوانه عنهم وبأنهم صدقوا في إيمانهم.
ولأنهم قوم نزل القرآن بلسانهم وشاهدوا مواقع التنزيل، فكانوا بلا شك أعلم هذه الأمة بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وأدراهم بمقاصدها، ولشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بأنهم خير الأمة، فقال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. رواه البخاري.
ولإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا نجاة إذا حصل الافتراق في هذه الأمة، إلا باتباع ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد روى الترمذي في جامعه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. حسنه الألباني.
ويضاف إلى هذا أن اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى هو سبيل السعادة والإعراض عنه سبيل العيش الضنك، فقد قال الله تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:123-124}.
وعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد. قال الشيخ الألباني: صحيح.
وقد جعل الله سبحانه الإيمان بمثل ما آمن به الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة علامة على الهداية، وجعل التولي عن ذلك دليلاً على الشقاق والضلال، فقال سبحانه: فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ {البقرة:137}، وقال سبحانه وتعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا {النساء:115}، وسبيل المؤمنين هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام قولاً وعملاً واعتقاداً، فقد حرم الله الخروج عنها واتباع غيرها، وتوعد على ذلك بجهنم وسوء المصير.
وقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة:100}، فأثنى الله على من اقتدى بالصحابة بقوله: والذين اتبعوهم بإحسان، وهذا لأن الصحابة رضي الله عنهم تلقوا الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة ففهموا من مقاصده صلى الله عليه وسلم، وعاينوا من أقواله وسمعوا منه مشافهة ما لم يحصل لمن بعدهم.
وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيذائهم وبين فضلهم في قوله: لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه. رواه مسلم.
وروى الشيخ تقي الدين عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة أنه قال: ولقد سار التابعون وتابعوهم على نهج الصحابة واقتفوا أثرهم، ولهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.... رواه البخاري. قال إبراهيم النخعي -من التابعين-: لو بلغني عن الصحابة أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفراً ما جاوزته.
ولا بد من البعد عما يخالف منهج الرسول صلى الله عليه وسلم من بدع ومحدثات، لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما -واللفظ للبخاري- عن ابن عباس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلا، ثم قال: كما بدأنا أول خلق نعيده، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد.
هذا وننصحك بكثرة مخالطة العلماء، ومطالعة كتبهم فإنه لا يعرف الحق ولا خطأ نفسه وخطأ معلمه من لم يخالط عدة علماء ويطالع عدة كتب في مختلف المسائل، وعليك بدراسة الشرع دراسة مرتبطة بالدليل، وسؤال العلماء عما أشكل عليك مما اختلف فيه، وأكثر قيام الليل، وادع في استفتاح القيام بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح به دائماً، كما في حديث عائشة أنه كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. أخرجه مسلم.
وعليك بالحرص على دراسة القرآن بتدبر وسماعه من القراء المجيدين ، والأحسن أن تحاول حفظه والحصول على إجازة فيه حتى تتشرف بأن تكون من حملته، فقد وردت نصوص كثيرة في فضل حفظه، كقوله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. أخرجه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة. متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: إن لله أهلين في الناس، قيل من هم يا رسول الله، قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. رواه ابن ماجه وأحمد وغيرهما.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرأ بها. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني.
واحرص على أن تجعل ولاءك لله ورسوله، وتعبدك لله بما صح عنهما أو استنبط مما صح عنهما، واعلم أنه ليست المرجعية عند المسلمين لشخص يحل شيئاً اليوم ويحرمه غدا، ولكن المرجعية لنا معاشر المسلمين هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنهما يأخذ العلماء الأحكام، لا من عند أنفسهم فهما الميزان القويم، فقد نسخت بهذه الرسالة الرسالات السابقة وأتم بها الدين فلا يقبل مخالف لها مما كان عند الأمم السابقة ولا الإحداث الذي يبتدع فيما بعد، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {النساء:59}، فقد أفرد الله نفسه بطاعة، وأفرد نبيه كذلك بطاعة وجعل طاعة أولي الأمر من العلماء والحكام مقرونة بطاعة الله ورسوله وأمر برد الأمر عند التنازع إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ {النساء:83}، وفي الحديث: لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم. رواه أحمد والحاكم، ورواه البيهقي والدارمي بلفظ قريب منه وحسنه الألباني.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني