الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الانتفاع بالدم وبيعه

السؤال

هل يجوز إعطاء الدم مقابل النقود والتبرع بهذه النقود للمساكين؟ فإعطاء الدم يحصل هنا في ألمانيا مقابل مبلغ من النقود، والله أعلم لمن يستعمل هذا الدم.
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فلا خلاف بين أهل العلم في نجاسة الدم المسفوح، وحرمة الانتفاع به، قال القرطبي: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ ‌عَلَى ‌أَنَّ ‌الدَّمَ ‌حَرَامٌ نَجِسٌ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ. اهـ.

قال تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ {النحل: 115}، وقال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ {المائدة: 3}.

إلا أنه في حالة الاضطرار، كالمريض الذي يحتاج إلى دم لإنقاذ حياته، أو لعلاجه من مرض ونحوه، فإنه يجوز له الانتفاع بالدم، لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119}.

قال ابن عابدين في حاشيته: يجوز للعليل شرب البول، والدم، والميتة للتداوي، إذا أخبره طبيب مسلم أن منه شفاءه، ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه. انتهى.

وقد روى عبد الرزاق في مصنفه: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، يَسْأَلُهُ إِنْسَانٌ نُعِتَ لَهْ إِنْ يَشْتَرِطَ عَلَى كَبِدِهِ (أي: يستخرج دمًا من جسده فوق موضع الكبد بمشرط أو غيره) فَيَشْرَبُ ذَلِكَ الدَّمَ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ «فَرَخَّصَ لَهُ فِيهِ» قُلْتُ لَهُ: حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؟ قَالَ: «ضَرُورَةٌ» قُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ لَوْ يَعْلَمُ إِنَّ فِي ذَلِكَ شِفَاءً وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ. اهـ.

فيجوز التبرع بالدم إذا كان لا يلحق ضرراً بالإنسان المتبرع، كما لا حرج في طلبه من مسلم أو غيره، لأجل إنقاذ حياة المضطرين مسلمين أو غير مسلمين ممن هم معصومو الدم.

أما بيع الدم؛ فلا خلاف بين أهل العلم في حرمته؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- حرم الدم، وأكد على تحريمه بإضافته إلى عينه، فيكون التحريم عاماً يشمل سائر وجوه الانتفاع بأي وجه كان، وبيعه انتفاع به فيكون حراماً.

وأخرج البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها.

فأنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على اليهود بيع ما حرم الله، فصح أنه إذا حرم الشرع شيئاً حرم بيعه وأكل ثمنه، إلا أن يأتي نص بتخصيص شيء من ذلك فيتوقف عنده.

وقد أخرج أبو داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه. صححه النووي، كما في المجموع.

بل قد جاء النهي عن ثمن الدم بنص خاص، فقد أخرج البخاري عن أبي جحيفة أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور.

قال ابن حجر: واختلف في المراد به -أي ثمن الدم- فقيل: أجرة الحجامة، وقيل: هو على ظاهره، والمراد تحريم بيع الدم. كما حرم بيع الميتة والخنزير، وهو حرام إجماعاً ـ يعني بيع الدم وأخذ ثمنه. انتهى.

لكن المنتفع بالدم إذ تعذر له الحصول عليه بلا عوض، جاز له أخذه بعوض عن طريق الشراء، لأنه مضطر أبيح له المحرم، فوسيلته أولى بالإباحة.

وعليه؛ فلا يجوز لك بيع الدم، سواء كان ثمنه تنتفع به أنت، أو تنفقه على المساكين ونحوهم، لكن إن أعطي المتبرع بالدم هدية على سبيل التشجيع، وهو غير مستشرف لها، ولم تكن عوضاً عما تبرع به من الدم، فنرجو أن لا حرج فيها.

كما ينبغي أن لا يتبرع الإنسان بالدم، إلا إذا علم أنه سيستخدم لمسلم، أو لغيره ممن هو معصوم الدم، ووجود الضرورة إلى استخدامه والانتفاع به، لأن الأصل الحرمة في الانتفاع به.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني