السؤال
أريد من فضيلتكم كلمة مختصرة حول نعم أنعم الله بها علينا وعن فضل الرجوع إلى الله في الرخاء وعند الشدائد لنسخها وتقديمها لإحدى الصديقات ؟
و جزاكم الله عنا كل الخير و بارك الله لكم و فيكم على هذه الاعمال العائدة بالنفع على كل المسلمين و جعلها الله في ميزان حسناتكم .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن نعم الله تعالى على عبده كثيرة لا يستطيع إحصاءها؛ كما قال تعالى : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا {النحل: 18 } وفي هذا المقام ننقل لك هذه الكلمة التي ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه جامع العلوم والحكم عن النعم واستشعارها وذكر فيها بعض كلام السلف في ذلك فقال: قال مجاهد في قوله تعالى في سورة البلد : ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين . قال هذه نعم من الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكر، وقرأ الفضل ( هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ) فبكى فسئل عن بكائه؟ فقال: هل بت ليلة شاكراً لله أن جعل لك عينين تبصر بهما ، هل بت ليلة شاكراً لله أن جعل لك لساناً تنطق به.. وجعل يعدد من هذا الضرب ، وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن سلمان الفارسي قال: إن رجلاً بسط له من الدنيا فانتزع ما في يديه فجعل يحمد الله عز وجل ويثني عليه حتى لم يكن له فراش إلا بوري، فجعل يحمد الله ويثني عليه ، وبسط للآخر من الدنيا فقال لصاحب البوري: أرايتك أنت على ما تحمد الله عزوجل؟ قال: أحمد الله على ما لو أعطيت به ما أعطى الخلق لم أعطهم إياه. قال: وما ذاك؟ قال: أرأيت بصرك أرأيت لسانك أرأيت يديك أرأيت رجليك ، وعن يونس بن عبيد أن رجلاً شكا إليه ضيق حاله فقال له يونس: أيسرك أن لك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا ، قال: فبيدك مائة ألف درهم؟ قال: لا ، قال فرجليك؟ قال: لا ، قال: فذكره نعم الله عليه فقال يونس: أرى عندك مئين ألوفاً وأنت تشكو الحاجة ، وعن بكر المزني قال: يا ابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك. وفي بعض الآثار: كم من نعمة لله في عرق ساكن ، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة ، والفراغ . فهذه بعض تلك النعم ومما يفيد المسلم في ذلك ويشعره بنعم الله عليه أن ينظر إلى من هو دونه في الصحة والعافية والكمال والجمال والغنى وغيرها فيدرك مدى نعمة ربه عليه فيشكرها ولا يكفرها فيزيده ربه من نعمه كما قال : لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد .
ومن شكر النعم أن يعرف ربه في حاليه: بؤسه ورخائه فيحمده على رخائه وعلى هين ابتلائه وأنه لم يصبه بما هو أعظم من أرزائه ويستقيم على طاعته في كلتا الحالتين ولا يكون ممن لا يعرف ربه إلا في الشدة والضنك ولا يرعى حقه ولا يؤدي واجبه فهذا على خطر عظيم ، وفيه صفة من صفات الكافرين قال تعالى : فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ {العنكبوت: 65 ـ 66 } وقال تعالى : وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {يونس: 12 } وقال تعالى : وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ {فصلت: 51 } ومن كانت هذه حاله فحري أن لا يستجيب الله دعاءه في حال الشدة والضنك ، وإن المؤمن الصادق هو الذي يعرف ربه في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء ، ويكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما في وصيته العظيمة : يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، فقلت: بلى فقال : احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن . أخرجه الإمام أحمد والطبراني وقال شعيب الأرناؤوط: صحيح
وقد بين سبحانه فضل أولئك الذين يتعرفون إليه في كلا الحالين فقال : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران: 133 ـ 134 } وقد بينا حال الناس في ذلك في الفتوى رقم : 31529 ، فنرجو مراجعتها . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
والله أعلم .