السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي كالأتي:
أعمل في شركة لإنتاج برامج كمبيوتر لتسيير الشركات. في هذا العمل نستعمل برامج و لغات برمجة لشركات عالمية, أنظمة تشغيل الكمبيوتر Windows, البرامج المكتبية Office, أنظمة تسيير قواعد البيانات ORACLE, SQL. بعض هذه البرامج مرخص أي تملك الشركة الحق في استغلاله و البعض غير مرخص أي دون إذن من صاحب البرنامج أو شراء لحق الاستغلال, مع العلم أن أصحاب هذه البرامج لا يوافقون على استعمال برامجهم دون رخصة أو دفع لحق الاستعمال, كما أنه عند تثبيت هذه البرامج على جهاز الكمبيوتر نختار الموافقة على عقد بين المستعمل ومالك البرنامج ينص فيما ينص على أن هذه النسخة نسخة أصلية أي غير منسوخة غير أنه في بعض الأحيان أو في أغلبيتها لا تكون كذلك.
مع العلم أن هذه الحالة أي استعمال البرامج المنسوخة حالة عامة , فأغلب الشركات تستعمل هذه البرامج وإن أردت العمل في شركة أخري بما يتناسب وشهادتي فسأقع في نفس الإشكال.
ما الحكم في العمل في هذه الشركة ؟ ما حكم الراتب الذي أتقاضاه؟ وما حكم ما قد ادخرته من هذا العمل؟
ما حكم استعمال البرامج المقرصنة للتعلم والمنفعة الخاصة دون المتاجرة بها أو بما يصنع بها, علما أن ثمن البرامج الأصلية مرتفع وأن بعضها غير متوفرة في نسخها الأصلية؟
أود العمل في المتاجرة بأجهزة الكمبيوتر, لكن عند بيع جهاز الكمبيوتر نثبت عليه نظام تشغيل منسوخ أي غير أصلي هدا النظام يبين للزبون أن الجهاز يعمل و ليس فيه عطب مع التبيان للزبون أن نظام التشغيل هذا غير مرخص وعليه شراء نسخته. ما الحكم في العمل بهذه الطريقة.
أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسخ البرامج المحمية التي احتفظ أصحابها بحقوق طبعها ونشرها لا يجوز، لما في ذلك من الإضرار بالغير، وذلك محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. وهو كذلك اعتداء على أموال الناس بغير حق. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. رواه الدار قطني وهو صحيح، لكن إذا احتاج المرء إلى نسخها لعدم وجود النسخة الأصلية أو عجزه عن شرائها جاز له نسخها للنفع الشخصي فقط في قول بعض أهل العلم بشرط أن لا يتخذ ذلك وسيلة للكسب أو التجارة، ولا بد من الاقتصار هنا على قدر الحاجة؛ لأن الزيادة عليها بغي وعدوان وهو موجب للإثم، وراجع الفتوى رقم:1033، والفتوى رقم: 13169.
وهذا الذي قررناه ينطبق على حق المسلم والذمي والمستأمن والمعاهد لأن مال الكافر معصوم ما لم يكن محاربا.
وبناء على ما ذكرنا فلا يجوز لك أن تمارس في عملك نسخ البرامج التي احتفظ أصحابها بحقوق النسخ سواء كان ذلك في الشركة التي تعمل بها الآن أو في العمل الذي تعتزم القيام به (المتاجرة في أجهزة الكمبيوتر).
والواجب عليك في هذه الحالة أن تترك هذا العمل فورا، وتبحث عن عمل غيره يسد حاجتك وحاجة من تعول ممن تجب نفقتهم عليك، فإن لم يتيسر لك عمل غيره ولم يكن عندك مال تنفق منه على نفسك وعلى من وجبت عليك نفقته فلا مانع من البقاء فيه مع التحرز من مباشرة فعل المحرم قدر طاقتك وإنما أبحنا لك ارتكاب المحرم للضرورة وذلك لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119} أما عن المال المكتسب من هذا العمل في حال الاضطرار إليه فالواجب فيه هو أن تتخلص من جزء من الراتب بنسبة العمل المحرم الذي تقوم به، وهذه النسبة تكون تحديدا إن أمكن تحديدها فإن لم يمكن تحديدها قدرت بغالب الظن، وراجع في هذا الفتوى رقم:44435، فإن احتجت إلى جزء من هذه النسبة المحرمة لسد ضرورتك وضرورة من تعول ممن تجب نفقتهم جاز لك أن تأخذ منها بقدر الضرورة ووجب عليك التخلص من الباقي لقوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة: 173} والقاعدة تقول: الضرورة تقدر بقدرها.
وقال النووي نقلا عن الغزالي في معرض كلامه عن المال الحرام والتوبة منه: وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أول من يتصدق عليه. اهـ.
وما أنفقته من هذا المال في الماضي فلا جناح عليك فيه، وأما ما بقي منه مدخرا فالتصرف فيه على ما ذكرنا من التفصيل السابق.
وراجع الفتوى: رقم:34828، والفتوى رقم: 42021.
والله أعلم.