السؤال
هل إن كان الإنسان مريضاً وتحدث بذلك للآخرين، يعتبر كفرانًا بنعمة الله، فأنا مريض، وعند سؤال الناس كيف صحتك؟ أقول: الحمد لله، ويسألون: خلاص تحسنت، وعند ذلك أضطر أن أتحدث بشكل تفصيلي عن الألم الذي عندي، ومرات خوفاً من الحسد أقول دعهم يعرفون حقيقة الحالة الصحية، لأنني إذا لم أتحدث بها هم يعتقدون أني قد شفيت، والله يعلم بحالي بأني مريضة.
جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان تحدث المريض عما يعانيه من المرض فيه مذمة أم لا، قال القرطبي: اختلف الناس في هذا الباب، والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك، فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه، كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد، كأن من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموماً حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر، والله أعلم.
وروى أحمد في الزهد عن طاووس أنه قال: أنين المريض شكوى، وجزم أبو الطيب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن أنين المريض وتأوهه مكروه، وتعقبه النووي فقال: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود، وهذا لم يثبت فيه ذلك، ثم احتج بحديث عائشة (وقولها: وارأساه) ثم قال: فلعلهم أرادوا بالكراهة خلاف الأولى، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى ....
ويستدل لعدم المذمة بما رواه صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه وسألته: كيف أصبحت؟ فاستوى جالساً، فقال: أصبحت بحمد الله بارئاً؟ قال: أما إني على ما ترى وجع .. أخرجه الطبراني.
فبان من مجموع تلك الأدلة أن تحدث المريض بما يعانيه لا على سبيل التسخط والتشكي ليس مذموماً، ولكن اشتغاله بالذكر أولى.
والله أعلم.