الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز استخدام المسلم ( لنفسه أو لغيره من المسلمين وغيرهم ) فرشاة الشعر المصنوعة من شعر الخنزير في قول جمهور العلماء وهو المعتمد عند الحنفية والحنابلة والشافعية ، لأنه نجس ولا ضرورة في استعماله هنا على قولهم بالترخيص في استعماله للضرورة كما سيتبين من نصوصهم الآتي ذكرها .
قال الكاساني في بدائع الصنائع وهو حنفي ( وأما ) الخنزير : فقد روي عن أبي حنيفة أنه نجس العين ، لأن الله تعالى وصفه بكونه رجسا فيحرم استعمال شعره وسائر أجزائه ، إلا أنه رخص في شعره للخرازين للضرورة ، وروي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه كره ذلك أيضا نصا ولا يجوز بيعها في الروايات كلها ............. وروي عن أصحابنا في غير رواية الأصول أن هذه الأجزاء منه طاهرة لانعدام الدم فيها والصحيح أنها نجسة ، لأن نجاسة الخنزير ليست لما فيه من الدم والرطوبة بل لعينه . انتهى
وقال العبادي الحنفي في الجوهرة النيرة ( قوله : وشعر الميتة وعظمها طاهران ) أراد ما سوى الخنزير ولم يكن عليه رطوبة ورخص في شعره للخرازين للضرورة ، لأن غيره لا يقوم مقامه عندهم وعن أبي يوسف أنه كرهه أيضا لهم ولا يجوز بيعه في الروايات كلها والريش والصوف والوبر والقرن والخف والظلف والحافر كل هذه طاهرة من الميتة سوى الخنزير وهذا إذا كان الشعر محلوقا أو مجزورا فهو طاهر ، وإن كان منتوفا فهو نجس . انتهى
وقال ابن قدامة في المغني : وكل حيوان فشعره مثل بقية أجزائه ما كان طاهرا فشعره طاهر ، وما كان نجسا فشعره كذلك ، ولا فرق بين حالة الحياة وحالة الموت . انتهى
وفي حاشية الجمل على شرح منهج الطلاب وهو شافعي ( فرع ) قضية حرمة استعمال نحو جلد الكلب والخنزير وشعرهما لغير ضرورة حرمة استعمال ما يقال له في العرف الشبة لأنها من شعر الخنزير نعم إن توقف استعمال الكتان عليها ولم يوجد ما يقوم مقامها فهذا ضرورة مجوزة لا ستعمالها . انتهى
وقال ابن مفلح في الفروع : المذهب : نجاسة كلب وخنزير وما تولد من أحدهما ( م ) وعنه غير شعر ، اختاره أبو بكر وشيخنا . انتهى
وقال المرداوي في الإنصاف : والصحيح من المذهب : أنهما ( يعني الكلب والخنزير ) والمتولد منهما أو من أحدهما وجميع أجزائهما : نجس ، وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به أكثرهم . انتهى
وذهب المالكية إلى طهارة شعر الخنزير مجزوزا ولو بعد نتفه ، أما إذا نتف دون جز فهو نجس ، قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل : وصوف ووبر وزغب ريش وشعر ولو من خنزير إن جزت ( ش ) يريد أن ذلك طاهر من سائر الحيوانات ولو أخذت بعد الموت ، لأنه مما لا تحله الحياة وما لا تحله الحياة لا ينجس بالموت وأيضا فإنه طاهر قبل الموت فبعده كذلك عملا بالاستصحاب والمراد بزغب الريش ما يشبه الشعر من الأطراف ولا فرق على المذهب بين صوف المحرم وشعره ووبره وبين صوف غيره وشعره ووبره لكن الطهارة في ذلك مشروطة بجزه ولو بعد النتف . انتهى
والمقصود بالنجاسة في المنتوف عندهم أصول الشعر التي تكون في اللحم لا الشعر الظاهر فوق الجلد ، قال علي بن أحمد الصعيدي العدوي المالكي في حاشيته على شرح الخرشي ( قوله مشروطة بجزه ) وأما إن لم تجز تكون نجسة أي بعض كل منها ، وهو مباشر اللحم من محل النتف لا جميع كل واحد منها . انتهى
فإذا توفر القيد المذكور عند المالكية في هذه الفرشاة جاز استعمالها وإلا فلا .
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية كما هي رواية عن أحمد إلى طهارة الشعور كلها بما فيها الكلب والخنزير ، قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: والقول الراجح هو : طهارة الشعور كلها : الكلب والخنزير ، وغيرهما بخلاف الريق ، وعلى هذا فإذا كان شعر الكلب رطبا ، وأصاب ثوب الإنسان فلا شيء عليه ، كما هو مذهب جمهور الفقهاء أبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، وذلك لأن الأصل في الأعيان الطهارة فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليل كما قال تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119 } وقال تعالى : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ {التوبة: 115 } وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : إن من أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته . وفي السنن عن سلمان الفارسي مرفوعا ، ومنهم من يجعله موقوفا أنه قال : الحلال ما أحل الله في كتابه ، والحرام ما حرم الله في كتابه ، وماسكت عنه فهو مما عفا عنه . انتهى
وقال المرداوي في الإنصاف : وعنه طهارة الشعر ، اختاره أبو بكر عبد العزيز ، والشيخ تقي الدين ، وصاحب الفائق ، قال ابن تميم : فيخرج ذلك في كل حيوان نجس . انتهى
وعلى هذا القول يجوز استخدام هذه الفرشاة مطلقا ، وراجع الفتوى رقم : 172 ، والفتوى رقم : 21705 .
والذي نراه في مثل هذا الخلاف هو أن يحتاط المسلم لدينه بترك ما اختلف في تحريمه بناء على قاعدة : الخروج من الخلاف مستحب . ولا يلجأ إلى هذا إلا عند الحاجة إليه كما صرح به من ذكرنا من الفقهاء اتقاء للشبهات واستبراء لدينه ، هذا مع أن القول بالجواز أقوى بكثير من القول بالمنع إذا قارنا بين أدلتهما .
والله أعلم .