السؤال
تونسي متزوج بامرأة تونسية ثم تزوج في السعودية بامرأة ثانية جزائرية بعقد زواج شرعي و قد حصل لهذا الرجل حادث مرور خطير أصبح بسببه معاقا بدنيا و في غيبوبة ذهنيا منذ عامين فزوجته الثانية الجزائرية في حيرة من أمرها لأن الزوج الآن يعيش مع زوجته الأولى في تونس و التي لاتعرف شيئا عن زواجه الثاني بالجزائرية علما سيدي الشيخ أن الزوجة الثانية الجزائرية تريد الطلاق منه لإعادة حياتها لأن هذا الزوج أصبح عاجزا في الحياة معها ( ماديا و جنسيا) و في نفس الوقت لا تريد أن تسبب له إحراجا أو مشاكل مع زوجته الأولى حيث إن القانون في تونس لايسمح له بزوجتين ولكنها في حيرة من أمرها بحيث أن الرجل الذي سيرمي عليها يمين الطلاق يعيش في غيبوبة و لا يفتكر شيئا علما سيدي الشيخ بأنه قد انقطعت قنوات الترابط بينهما و للتوضيح فإن هذه الزوجة الجزائرية لاتريد شيئا من هذا الزوج لا مالا و لا نفقة كما أنه لا يوجد لهما أطفال و تريد فقط أن تعيد حياتها مع زوج آخر بالطريقة الإسلامية التي أمر بها الرحمن أفيدونا في هذه الفتوى جزاكم الله عنا و عن الأمة الإسلامية كل الخير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان الزوج بهذا الحادث قد فقد القدرة على الجماع ، وأصبح لا يرجى برؤه مما نزل به من بلاء بخبر الطبيب الثقة ، فإما أن يكون قد ترك لأهله نفقة أو لا ؟ فإن كان لم يترك لهم نفقة ، فلزوجته الفسخ بالإعسار بعد رفع أمرها للقاضي، وهذا هو الظاهر من حال هذه المرأة كما هو في السؤال ، وإن كان قد ترك لها النفقة التي تشمل المطعم والملبس والمسكن فهل لها حق الفسخ بسبب العيب الذي نزل بالزوج أم لا ؟
ذهب المالكية إلى أنه ليس لها الحق في الفسخ إن كان قد وطئها من قبل ولو مرة . قال العلامة الدردير المالكي في أقرب المسالك : ومحل الرد بهذه العيوب : إن كانت حال العقد ، ولم يعلم بها كما تقدم ، وأما ما حدث منها بعد العقد ، فإن كان بالزوجة فلا رد للزوج به ، وهو مصيبة نزلت به ، وإن كان بالزوج فلها رده ببرص وجذام وجنون لشدة الإيذاء بها ، وعدم الصبر عليها ، وإلى ذلك أشار بقوله : ولها أي للزوجة فقط دون الزوج رد لزوجها بجذام بين : أي محقق ولو يسيرا لا مشكوك ، وبرص مضر : أي فاحش لا يسير ، وجنون حدثت ، هذه الأدواء الثلاثة بعد العقد ، بل وإن حدثت بالزوج بعد الدخول لعدم صبرها عليها ، وليست العصمة بيدها بخلاف الزوج ليس له رد بها إن حدثت بها بعد العقد وهي مصيبة نزلت به ، فإما أن يرضى ، وإما أن يطلق ، إذ العصمة بيده لا رد لزوجة بكجبه واعتراضه وخصائه إن حصل له بعد وطئها ولو مرة ، وهي مصيبة نزلت بها ، فإن لم يحصل وطء فلها القيام بحقها وفسخ النكاح . اهـ
وقال الحطاب في مواهب الجليل : وقال في الوسط : قوله: لا بكاعتراض أي : فإنه إذا حدث لا يكون موجبا لخيار المرأة ، وكذلك الجب والخصاء، ولهذا أتى بكاف التشبيه انتهى. والله أعلم.
واعلم أنه لا يسقط خيارها في الجب والخصاء أيضا إلا بعد الدخول والمس على المشهور. قال في سماع محمد بن خالد من كتاب النكاح قال : وسألت ابن القاسم عن الرجل يخصى قبل أن يدخل على امرأته هل لها الخيار في نفسها؟ فقال : نعم لها ذلك. قلت لابن القاسم : فإن حصل بعد ما دخل ومس فقال : لا خيار لها. قال ابن رشد : وهذا هو المشور في المذهب .......الخ.
وذهب الشافعية إلى أن لها الخيار بهذا العيب الحادث على الأصح عندهم . قال العلامة الجلال المحلي الشافعي في شرح المنهاج : ولو حدث به أي الزوج بعد العقد عيب تخيرت لحصول الضرر به، سواء حدث قبل الدخول أم بعده ، ولو جبت ذكره ثبت لها الخيار في الأصح .... إلا عنة بعد دخول ، فلا خيار لها بها لأنها عرفت قدرته على الوطء ووصلت إلى حقها منه؛ بخلاف الجب على الأصح لأنه يورث اليأس عن الوطء ، والعنة قد يرجى زوالها . اهـ
وقال العلامة الشربيني في مغني المحتاج : والخيار في الفسخ بهذه العيوب إذا ثبت يكون على الفور لأنه خيار عيب، فكان على الفور كما في البيع .... ولو ادعى جهل الفور فقياس ما تقدم في الرد بالعيب أنه يقبل لخفائه على كثير من الناس ، ولو قال أحدهما : علمت بعيب صاحبي وجهلت الخيار قبل قوله بيمينه إن أمكن وإلا فلا . اهـ
ويمكن لهذه المرأة أن ترفع أمرها للقضاء وهو الذي يفصل القول في مسائل الخلاف.
والله أعلم.