الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن نشكرك على عنايتك المتزايدة بموقعنا، وعلى هذه الملاحظات التي لا شك ستثري مادة البحث عندنا، وتجعل فتاوانا أكثر دقة وانسجاماً، ومع هذا الشكر نطلب منك أن تعيد النظر وتزيد من التحري فيما تقرؤه لنا.
ونحسب أنك إذا فعلت، فلا يبعد أن يتضح لك عدم التعارض بين كتاباتنا، ومع ذلك فإننا لا نستطيع تبرئة أنفسنا من الخطأ، لأن العمل البشري لا يخلو من ذلك أبداً، فالله تعالى يقول: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82}، وإليك الرد على ما استفسرت عنه:
* أول فتوى أشرت إلى رقمها يقول السائل فيها: لماذا يحرم تعليم الفتاة؟ فأجنباه: بأن طلب العلم ليس حراماً على الفتاة، بل إن الفتاة فيه كالرجل إلا ما خصه الدليل، وقلنا له: إن مما اشتمل على الحرام أن يكون التعليم في المدارس المختلطة، كما هو حال كثير من الجامعات والمدارس اليوم، وما كان حراماً من العلوم إما لذاته أو لاشتماله على حرام، فإن الرجل والمرأة فيه سواء.
* ثم الفتوى التي أوردتها بعد هذه يسأل السائل فيها عن حكم الاختلاط في الجامعات؟ فأجبناه: بأن الاختلاط الموجود في المجتمعات المعاصرة يعتبر شراً مستطيراً أحدق بالمسلمين حتى استمرؤوه، حيث يفضي إلى محرمات عظيمة ومفاسد كبيرة أقلها ذهاب حياء المرأة.
وقلنا له: إن ضرر الاختلاط لا يقتصر على جنس دون آخر، فشره يعم الرجال والنساء، وأنه إذا اضطر الرجل أو المرأة إلى مثل ذلك، فليقتصر كل منهما في الحضور على المحاضرات، وإذا انتهت الحاجة اليومية من الجامعة خرج لتوه من هذا المكان المختلط، وقلنا: إن المراد بالاضطرار في حق المرأة هنا أن تكون بحاجة إلى عمل تنفق منه على نفسها لعدم وجود من ينفق عليها، وعدم إحسانها لصنعة تعملها كخياطة ونحوها، وإذا كان عملها يتوقف على شهادة دراسية، جاز لها حينئذ أن تدرس في هذا المكان المختلط الذي لا تجد غيره، إن تحققت مجموعة من الشروط بيناها في الفتوى.
* ثم السائل في الفتوى التي رقمها (2523) يسأل عن حكم الدراسة في الجامعات المختلطة، فأحلناه إلى الشروط التي تبيح الدراسة في المؤسسات المختلطة، وقلنا له: إن من تحققت فيه شروط جواز هذه الدراسة فعليه بالتحفظ والاعتزال وغض البصر وحفظ الفرج وعدم القرب من النساء قدر المستطاع، وعليه أن يسعى في تقليل المنكر ما وجد إلى ذلك سبيلاً، وأن يختار رفقة صالحة تعينه على غض البصر وحفظ الفرج، هذه هي الفتاوى التي ذكرت أنها جاءت بتحريم التعليم المختلط على المرأة.
وأما الفتاوى التي ذكرت أنها تبيح تعليم المرأة في المدارس المختلطة، فنرد عليها كالتالي:
* الفتوى رقم: 48805 لم يكن موضوع الاختلاط هو المشكلة المطروحة فيها، لأن السائلة صرحت بقولها: أنا لا أخالط أحداً من الزملاء ولا أتعامل معهم ولا حتى أبدؤهم بالتحية إلا إذا حياني أحدهم أرد بما يرضي الله، فموضوع الاختلاط لم يكن يشكل مشكلة كبيرة، فأنا كما ذكرت لا أخالط أحداً من الشباب... إلى آخر ما ذكرته، وكان سؤالها هو ما إذا كان يجوز لها العودة إلى الدراسة بعد عهد قطعته على نفسها؟ فأجبناها: بأننا لا نرى مانعاً من عودتها إلى الدراسة، إذا كانت محتاجة إليها، بشرط أن لا تخل بشيء من الواجبات الشرعية، وأن تحافظ على أداء الصلوات في أوقاتها، وأنه ليس في عودتها إخلاف لوعد الله وعهده، لأن ما ذكرته في السؤال لا يعدو قولها (تضيع الدراسة ولا تضيع الصلاة)، وهذا عهد كل مسلم وواجبه.
* وأما الفتوى التي بعد هذه فالسائل فيها يسأل عما إذا كان وجود البنت مع الولد في هذه الجامعات المختلطة حلالاً أصلاً حتى ولو كانت تلبس النقاب... إلى آخر سؤاله.. فأجبناه: بأن الأصل في تعلم المرأة هو الإباحة، وكذا تواجدها مع الذكر في مكان واحد، ولكن الظروف التي تحيط بكل ذلك وما يمكن أن ينجر عن الاختلاط هو الذي يترتب عليه التحريم أو الحلية.
وأنه إذا التزمت البنت والولد بالضوابط التي ذكرناها في الفتوى التي أشار إلى رقمها فإن تواجدهما حينئذ في نفس الجامعات لا يعد حراماً، وأما إذا كانت هذه الضوابط لا يتصور تحصيلها في الجامعات وكان الاختلاط يؤدي حتما إلى حصول الفتنة والفساد فإن تواجد الجنسين في نفس المؤسسة يكون ممنوعاً لذلك، لأن ما لا يتم ترك الحرام إلا بتركه فإن تركه واجب -كما بين السائل- لا لأنه محرم في الأصل.
* أما الفتوى الأخيرة فالسؤال فيها هو: ما حكم الشرع في الآتي:
1) طالب يقف مع زميلة تصغره في ساحة الكلية يعطيها مذكرات وكتباً دراسية ويوضح لها بعض النقاط الخاصة بالمذاكرة والامتحان.
2) آخر يقف مع زميلته بحجة أنهما سوف يرتبطان وقد يرتبطان بعد فترة قصرت أو طالت وقد لا يرتبطان، وفي حالة ارتباطهما فما الحكم في ما سلف خاصة أن بعض الشباب يسلك نفس الطريق؟
3) آخر يقف مع زميلته وهما مرتبطان.
فكان الجواب أن ثمت جملة من الشروط إذا تحققت جاز الأمر حسبما وصفنا، ولكننا على علم أكيد أن ما يجري في ساحات الجامعات من اللقاءات بين الفتيان والفتيات لا تراعى فيه تلك الشروط غالباً، بل إنه تعقد هناك لقاءات، وتنشأ صداقات وارتباطات يحصل فيها ما الله به عليم مما لا يرضيه، لذلك كان الواجب على المسلم والمسلمة اللذين يخافان ربهما ويغاران على أعراضهما، أن يلزما الحذر، ويبتعدا عن مواطن الريبة ومظان الفتن.
فإذا قرأت بتأمل هذه الفتاوى والأسئلة التي هي موجبها، عرفت أنه ليس ثمت إباحة مطلقة ولا تحريم مطلق، وإنما يكون الجواب مراعياً للحيثيات التي بينها السائل، مع الضوابط والقيود التي يباح أو يحرم لها الاختلاط.
والله أعلم.