السؤال
رأيت في قناة "الحياة" -لم أعرف وقتها أنها قناة تبشيرية مسيحية- هدفها الأول هو سب الإسلام و الرسول صلى الله عليه وسلم. و كان الحديث في البرنامج عن كتاب سيرة "ابن هشام" الجزء الثالث ص 217، و ورد فيه أن الرسول-صلى الله عليه و سلم- قد أمر الزبير بن العوام بأن يعذب رجلاً أو امرأة تعذيباً شديداً (لم أعرف السبب). وبدأوا في سب الدين الإسلامي وقالوا إنه دين وحشي....إلخ. ما أريد أن أعرفه هو التالي: أولاً: ما هي تلك الواقعة الواردة في كتاب "سيرة ابن هشام". ثانياً: إلى متى سنظل صامتين على تلك التجاوزات المستفزة و التي تشوه الدين الإسلامي في نظر العالم أجمع؟ أرجو الرد. جزاكم الله خيراً على ما تقدموه من خدمات للدين الإسلامي و المسلمين.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه يجب على المسلمين أن ينصروا دين الله تعالى ويتعلموه وينشروه، ويتعلموا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وينصروها ويذبوا عنها، وعليهم أن يدعوا الكفار إلى الله تعالى ويجادلوهم بالتي هي أحسن، ويردوا الشبه التي تمنعهم من اعتناق الإسلام، ويبينوا لهم بالأدلة النقلية والعقلية بطلان ما هم عليه من الأباطيل والاعتقادات الفاسدة.
وليعلم أن الاطلاع على القنوات الفاسدة التي يستخدمها أهل الباطل لنشر أباطيلهم وفجورهم لا يجوز للمسلم العامي لئلا تنطلي عليه شبه أهل الضلال، وإنما يسوغ الاطلاع عليها للمسلم الواعي العارف بدينه الآمن من التأثر بما ينشره هؤلاء إذا كان ينوي جدالهم ومقارعتهم بالحق والرد عليهم ودفع ما يوردونه من الشبه، وراجع في هذا الفتوى رقم: 75466.
وأما قصة الزبير فلعلهم يريدون بها ما روى ابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم فغلب على الأرض والزرع والنخل فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء ويخرجون منها، فاشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبروا شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عصمة، فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعم حيي ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير فقال أذهبته النفقات والحروب، فقال صلى الله عليه وسلم العهد قريب والمال أكثر من ذلك فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير بن العوام فمسه بعذاب، وقد كان حيي قبل ذلك قد دخل خربة، فقال قد رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في خربة.
قال الشوكاني في النيل: قوله فمسه بعذاب فيه دليل على جواز تعذيب من امتنع من تسليم شيء يلزمه تسليمه وأنكر وجوده إذا غلب في ظن الإمام كذبه، وذلك نوع من السياسة. اهـ.
ومن المعلوم أن يهود خيبر كانوا يؤلبون على النبي صلى الله عليه وسلم وينفقون أموالهم في المحادة لله والرسول، وقد شرط عليهم في الصلح أن لا يكتموه ولا يغيبوا شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عصمة فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير فسأل عنه عمه فكتمه، فلما كتمه أمر الزبير فمسه بالعذاب حتى أقر بالخبر ودله على مكانه.
وهذا من حسن معاملة الرسول للناس فهو نبي الرحمة ونبي الملحمة كما في حديث ابن حبان، وهذا من محاسن الدين الإسلامي فهو دين رحمة وتيسير وفيه حزم وصرامة مع العدل عند التعامل مع أهل الظلم والغدر، فإنه مع ما تقرر من فضيلة العفو عن المسيء والصفح عنه الذي عمله النبي صلى الله عليه وسلم مع كثير من الناس إلا أنه لا ينبغي أن يخرج ذلك عن حد الاعتدال حتى يدرج المتسامح في صف المغفلين والسذج، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لست بالخب والا الخب يخدعني، والخب هو المخادع الغادر.. وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية: أنه كان في الأسارى يوم بدر أبو عزة الجمحي فمن عليه رسول الله بلا فدية واشترط عليه أن لا يقاتله، فلما أسر يوم أحد قال يا محمد امنن علي لبناتي وأعاهد أن لا أقاتلك، فقال رسول الله لا أدعك تمسح عارضيك بمكة وتقول خدعت محمدا مرتين ثم أمر به فضربت عنقه، وذكر بعضهم أنه يومئذ قال رسول الله: لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين. اهـ
فلا شك أن عقوبة المجرم الغادر بكتمه لمال قد يستعمل في محادة الله ورسوله أولى من مسامحته فيغدر ويستعين به على قتال المسلمين، ويا عجبا من قوم يتطاولون على نبي الرحمة وواقعهم المعاصر والقديم يشهد بتعذيبهم البرآء ومطاردتهم لهم، وخبراؤهم ومفكروهم وقادتهم الدينيون ساكتون، فهل في المسلمين من معتبر وذي عقل سليم.
والله أعلم.