السؤال
الشيخ الفاضل: أنا امرأة عمري 35 سنة وغير متزوجة ومتوسطة الجمال ومحجبة وأحمل شهادة جامعية عليا، أعاني من رغبتي الشديدة في تكوين أسرة وأن يكون لي زوج وأبناء، علماً بأنني أعاني من هذه الحالة منذ كان عمري 15 سنة، أعيش مع والدي وهما على خلاف دائم ومشاحنات، كما أنهما مقاطعان لأهلهما، فأنا لا أعرف أعماما ولا أخوالا، ولا نتحدث مع الجيران، أسمع كلمة عانس دائماً، وقد كان هناك فرص للتعارف أثناء العمل ضمن حدود الأدب والأخلاق، ألا أنه لم يتقدم لي أحد منذ 12 عاما، ولا أدري لماذا لم يحدث نصيب، وأصبت باكتئاب مزمن وأنا أتعالج منه منذ سنتين، ورغم أنني تحسنت قليلاً إلا أن الدواء لم يعد مفيدا وأنا أقرب للانتكاس، أرجو أن لا تحيلوني إلى فتوى سابقة، فأنا لا أعرف أحداً لأخاطبه فأعرض نفسي للزواج عليه، علماً بأنني أعمل بوظيفة محترمة وراتبي ولله الحمد مرتفع، لقد ذهبت لطبيب يعالج بالرقية وقد ساعدني في علاج الاكتئاب، وأنا مداومة على قراءة الرقية وعلاج الاكتئاب منذ سنتين، أرجوكم وجهوني فالطريق مسدودة، علماً بأنني أداوم على الصلاة والقيام والزكاة والصدقة، أنا لا أعلم هل أصعب شيء في الدنيا هو الزواج، أرجوكم أدعو لي لعل الله يستجيب؟ ونأسف على الإطالة، وشكراً لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الفتاة إذا وصلت إلى هذا السن ينتابها شعور بالخوف من الحرمان من الزواج، ومن شبح العنوسة، غير أن الواجب على الفتاة المسلمة أن لا تستسلم لهذا الشعور، وأن لا تسلم نفسها للعزلة والاكتئاب، وينبغي لها أن تقتدي بمن نجحن في اجتياز هذه الأزمة، وخرجن من هذه العقدة، وذلك عن طريق الانغماس في الأعمال الخيرية، والسعي لتحقيق رسالة في الحياة، وقد أجرت إحدى الباحثات دراسة عن هذا الموضوع، ذكرت فيها نماذج من أولئك الفتيات اللاتي تجاوزن هذا الشعور، وتغلبن على هذا الخوف، وفككن هذه العقدة، وذلك بانغماسهن في الأعمال المفيدة، والأنشطة الخيرية، وشغل أوقاتهن بحفظ القرآن وغيره من الطاعات، ومنهن من شغلت نفسها برعاية والديها، وقد نبغ بعضن، وصرن من الداعيات إلى الله، نتيجة لاستغلال الوقت، لا سيما مع فراغهن من مشاغل الزوج والأولاد، ثم تذكر الباحثة دواء قرآنياً لهذه المشكلة، وهو قوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33}، ويتمثل العلاج في النقاط التالية:
- سؤال الله من فضله مع الإلحاح في الدعاء.
- الاستعفاف وموجباته من صيام أو اجتهاد في الطاعة أو متابعة مجالس علم أو حفظ القرآن.
- أثبتت الآية أن الزواج رزق من الله عز وجل ويجب الاطمئنان إلى أن الرزق يسعى وراء صاحبه ولن تموت نفس إلا بعد استحقاقه، ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
كما أن على الفتاة التي فاتها الزواج أن تجد لنفسها السلوى عن ابتلائها لمن هو دونها، وأشد مصيبة منها، وما أكثر أهل المصائب والابتلاءات، نسأل الله السلامة، وفي الحديث كما في السنن والمسند: انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم.
وتضيف: على الفتاة التي تأخر سن زواجها أن تعلم أنها فتاة طبيعية ويجب أن تحيا حياة طبيعية حتى وإن فاتها قطار الزواج، فعليها أن تستثمر وقتها وتحاول أن تخرج نفسها من إطار العزلة والاكتئاب، وذلك بأن تشترك في النوادي الاجتماعية والجمعيات الخدمية والأهلية التي تحتاج لجهود الشباب كمراكز رعاية المعاقين أو ملاجئ الأيتام... فينبغي أن تنضم لمثل هذه الأنشطة لتخرج طاقتها ولا تترك نفسها لفكرة العنوسة التي ترتبط بالانعزال والاكتئاب، ويجب ألا تيأس الفتاة فالزواج قد يأتي في أي عمر والحياة لا تنتهي بالزواج، لأن الزواج ليس نهاية المطاف، وفي الحديث: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
فالحديث الشريف وجه الشاب أو الشابة هنا إلى أن يحصنا أنفسهما ويعصما أنفسهما إن لم يتيسر لهما الزواج وليس أبلغ من العصمة والإعفاف من شغل الفراغ فيما ينفع ويفيد، لأن الأبحاث والدراسات أكدت أن وقت الفراغ من الأسباب التي تؤدي إلى الشعور بالاكتئاب، نسأل الله تعالى أن يعافي الأخت من الاكتئاب، وأن ييسر لها زوجاً صالحاً تقر به عينها.
والله أعلم.