الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا حرج على المرأة في أن تشارك في منتدى طيب لأجل الدعوة إلى الله عز وجل ونشر الحق وهداية الخلق، مع ضبط ألفاظها في الكلام مع الرجال والبعد عن إقامة علاقة معهم، ونحو ذلك، والتأكد من أمن الفتنة، وإنما يكون همها وجهدها منصبا على الدعوة إلى الله عز وجل.
فهذه المنتديات تعتبر وسائل لإيصال كلمة الحق وإبلاغ الرأي والحجة، والوسائل لها أحكام المقاصد، فما كان منها يؤدي إلى الحرام فهو حرام يجب البعد عنه. وما كان لنصرة الدين وإعلاء الحق ودحض الباطل ولم يكن فيه مخالفات شرعية، فهو الصواب وحقه أن يتبع.
فإن كان الحديث فيها بين محرمين أو محارم، وفيما هو مشروع فلا مانع منه شرعاً ما لم يؤد إلى تضييع واجب.
وأما إن كان بين أجنبيين أو أجانب فيجوز منه ما كان لحاجة مع الالتزام بالضوابط الشرعية، وعدم الخضوع بالقول، والاقتصار على الحاجة.
وإن كانت المشاركة تؤدي إلى الخضوع بالقول الحرام أو المحادثات المريبة بين الرجال والنساء أو الرؤية لما لا تحل رؤيته، أو تثير شيئا من دواعي الفتنة، فإنها تكون بذلك حراماً، فقد روى الشيخان واللفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه.
وبهذا يعلم أن للوسائل حكم المقاصد؛ كما قال أهل العلم، فإن استعلمت في واجب كانت واجبة، وإن استعلمت في حرام كانت حراماً.
وبناء عليه.. فلا حرج -إن شاء الله- في مناقشة الرجل للمرأة، أو المرأة للرجل إذا كانت لأجل الدعوة إلى الله عز وجل والتعليم إذا روعيت الضوابط التي ذكرناها، ودليل الجواز الكتاب والسنة، وسيرة الصحابة الأئمة، فمن الكتاب، قصة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها التي جاءت تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أنزل الله عز وجل في شأنها قوله: قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {المجادلة:1} .
ومن السنة حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.... الحديث رواه البخاري ومسلم.
ومن واقع الصحابة.. ما رواه البخاري والنسائي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها، توفي عنها وهي حبلى، فخطبها أبو السنابل بن بعكك، فأبت أن تنكحه، فقال: والله ما يصلح أن تنكحي حتى تعتدي آخر الآجلين، فمكثت قريبا من عشر ليال، ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انكحي.
ولا بد من استشعار مراقبة الله دائما والبعد عن إلانة المرأة في القول على وجه يوقع الفتنة بقلب الرجل، قال ابن العربي في قوله تعالى: إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ {الأحزاب:3}: أمرهن الله تعالى أن يكون قولهن جزلا، وكلامهن فصلا، ولا يكون على وجه يحدث في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين المطمع للسامع. انتهى من كتاب أحكام القرآن.
ولا بد من التأكد من عدم تلذذ أي من الطرفين بحوار الآخر، فإن ذلك يحرم على من فعله، قال ابن مفلح في الفروع: وليس صوت الأجنبية عورة على الأصح، ويحرم التلذذ به ولو بقراءة. اهـ
ولا بد من التأكد من أمن الفتنة، فإن خاف أحدهما على نفسه الفتنة حرم الاستماع والكلام لأن من مقاصد الشريعة سد الذرائع التي قد توصل إلى الحرام، وقد نص الفقهاء رحمهم الله على المنع من التكلم مع المرأة الشابة من غير حاجة وذلك خشية الفتنة، فقال العلامة الخادمي -رحمه الله- في كتابه (بريقة محمودية) وهو حنفي قال: التكلم مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة لأنه مظنة الفتنة. وقال صاحب كشاف القناع من الحنابلة: وإن سلم الرجل عليها ـ أي على الشابة ـ لم ترده دفعا للمفسدة. ونص فقهاء الشافعية على حرمة ابتداء الشابة الرجل الأجنبي بالسلام، وكذا ردها عليه، وكرهوا ابتداء الرجل لها بالسلام، وعللوا التفريق بينها وبينه أن ردها عليه أو ابتداءها له مطمع له فيها .
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 57794، 67309، 30911.
والله أعلم.