السؤال
أنا فتاة في العشرين من العمر, أطلب منكم العون والإرشاد لأنني على شفا حفرة من الانهيار العصبي.
أعيش يوميا النزاع مع أمي, أنا جد واعية بتعاليم ديننا الحنيف الذي يحرم عقوق الوالدين لكن أمي وللأسف تتحرش بي يوميا موجهة لي أقبح الأوصاف وأشينها, إنها والله لأوصاف مهولة واحتراما لحضرتكم لا أستطيع حتى إعادة ذكرها, بل لم تكتف بهذا وراحت تتمنى لي كل المآسي والخسران في حياتي. لا تتردد في ضربي حتى وأنا نائمة, تجذبني بقوة من شعري تم تطرحني أرضا وتعضني وتجذبني من أذني, وهذا رغم صراخي واستغاثتي, رغم أنني لا أرد عليها ولا اكلمها إلا أنها تثيرني وتتحرش بي والآن أنا بصدد الابتعاد عنها قدر المستطاع خشية إيذائي, أما أبي فيساندها بصفة مطلقة ولا يحاول حتى سماع أقوالي, أمي تكذب عليه وهو يصدقها.
لا أعرف ماذا افعل, لم أعد أطيق الدخول إلى المنزل, ساعدوني بنصحكم, ساعدوني بحل لمعضلتي, هل يجوز لي أن أتجاهل أمي حين تتمادى في جرحي وإيذائي, مع تذكيركم أنها ألفاظ بذيئة ومخزية لأبعد حد, ساعدوني من فضلكم لأنني على وشك ترك الدراسة والعمل لأنني أشعر حقيقة أني قريبة من الانهيار العصبي.
وفقكم الله .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي أيتها السائلة الكريمة أن سوء أخلاق الأم وتقصيرها في الحقوق الواجبة عليها سواء كانت لله تعالى أو كانت للمخلوقين لا يسقط من حقها عليك شيئاً، فالأم مهما كانت حالتها يجب برها والإحسان إليها، ويحرم عقوقها حتى ولو كانت كافرة، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 23-24}. وقال: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة -المتشبهة بالرجال- والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى. رواه النسائي وأحمد والحاكم.
ثم إن بر الوالدين من شيم النفوس الكريمة والخلال الجميلة، وبه تكفر السيئات، وتجاب الدعوات عند رب البريات، وبه تشرح الصدور وتطيب الحياة، ويبقى الذكر الحسن بعد الممات. فعليك الصبر الجميل، ولك المثوبة والأجر عند الله تعالى وسيجعل لك من عسرك يسرا ومن ضيقك فرجا إن اتقيت وصبرت واحتسبت؛ كما قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا {الطَّلاق:2} وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطَّلاق:4}
وإياك ورفع الصوت عليها والتأفف منها، لكن نصحها وتذكيرها بالحكمة واللين ليس من العقوق؛ وإنما هو من البر بها.
وإذا كانت أمك كما ذكرت فهو ابتلاء من الله لك، والمسلم إذا ابتلي بالضراء صبر، وإذا ابتلي بالسراء شكر؛ كما جاء في صحيح مسلم عن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له.
وإذا علمت ذلك وأيقنت بما عند الله لك من المثوبة هان عليك ما تجدينه منها، وذهب عنك الهم والغم؛ بل ربما تتلذذين بأذيتها لعظم المثوبتة عند الله إن صبرت عليها، واسمعي إلى قول الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ* أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ* مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ* وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ* وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ* وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ* وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ العَالَمِينَ {العنكبوت:2-10}
وللفائدة ننصحك بمراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 43958، 51928، 9534، 38247.
ومع هذا، فإذا وصل أذى والديك إلى درجة الإضرار بك فلك الحق شرعا في رفع أمرك إلى من يستطيع رفع ضررهما عنك، فمن قواعد الشريعة أنه لا ضرر ولا ضرار.
والله أعلم