السؤال
كم يعلم الله أنني أحب الشبكة الإسلامية كثيرا ولكن لي تعليق حول فتواكم 79697 وأنا لست عالما أو فقيها فقد قلتم أو استندتم في هذه الفتوى " أنه إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام " وهذا هو رأي ابن مسعود عليه رحمة الله وهناك رأي آخر لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهو رأي ابن عمر أيضا " إذا اجتمع الحلال والحرام فإن الحرام لا يحرم الحلال " وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا فأرجو التوضيح لإتمام قناعتني بالفتوى وقد استخدمت لفظ قناعتي فقط ليطمئن قلبي وعقلي إليها مؤمنا بأنه إذا خالف العقل النقل أخذنا النقل وتركنا العقل وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يبارك فيك، ويزيدك حرصا على العلم، ويحبك كما أحببت الشبكة الإسلامية.
واعلم أنك إذا قرأت بتأن فتوانا التي أشرت إلى رقمها، فسيتبين لك بوضوح أن الذي ذكرناه هو أنه: إذا كانت الأوراق المالية في السوق -التي هي موضوع السؤال- مباحة لا تشتمل على محظور شرعي مثل أسهم الشركات التي تمارس عملا مباحا ولا تتعامل بالربا فالعمل في إدارة هذه السوق مباح، وإذا كانت محرمة تشتمل على محظورات شرعية مثل السندات الربوية أو أسهم الشركات التي تتاجر في المحرمات أو تتعامل بالربا أو كانت مختلطة بين الحلال والحرام فالعمل محرم، اللهم إلا إذا اقتصر فقط على إدارة ما هو مباح.
وهذا ليس معناه أنه إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام، وإنما معناه أن الموظف في إدارة تلك السوق إذا لم يقتصر على إدارة الجانب المباح فإنه سيكون مديرا لعمليات محرمة، وبالتالي يكون متعاونا مع مرتكبي الإثم والعدوان.
ثم اعلم أن ما نسبته لابن مسعود -رضي الله عنه- من أنه "إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام"، ليس صحيح النسبة إليه -رضي الله عنه-، وقد بين ذلك أهل العلم. جاء في المقاصد الحسنة للسخاوي: ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال. قال البيهقي رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود وفيه ضعف وانقطاع، وقال الزين العراقي في تخريج منهاج الأصول: إنه لا أصل له، وكذا أدرجه ابن مفلح في أول كتابه في الأصول فيما لا أصل له.
كما أن ما نسبته لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وقلت إنه هو رأي ابن عمر أيضا -رضي الله عنهما- من أنه "إذا اجتمع الحلال والحرام فإن الحرام لا يحرم الحلال"، وقلت إن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فهذا صحيح وهو الذي ذهب إليه جمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة وهو المشهور عند المالكية؛ ولكنه ليس من هذا الباب، وإنما هو من باب أن من زنى بامرأة لا تحرم عليه أصولها أو فروعها. روى الدارقطني (3/268) في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها؟ قال: لا يحرم الحرام الحلال، إنما يحرم ما كان بنكاح. وله عن ابن عمر رضي الله عنهما نحوه. اهـ.
ثم ما قرره أهل العلم من أنه إذا اجتمع في الشيء حاظر ومبيح قدم الحاظر؛ وذلك لأن تغليب جانب الحرام أولى بالورع وأحوط للدين. قال الزركشي في المنثور في القواعد: إذا اجتمع الحلال والحرام أو المبيح والمحرم غلب جانب الحرام. ومن هذا قال عثمان رضي الله عنه لما سئل عن أختين بملك اليمين؟ فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية، والتحريم أحب إلينا. قال الأئمة: وإنما كان التحريم أحب لأن فيه ترك مباح لاجتناب محرم. وذلك أولى من عكسه. اهـ
والله أعلم.