الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى قوله تعالى: (وقلن قولاً معروفاً).

السؤال

هل الخروج أو النزهات للخطيب وخطيبته حلال؟ وقد جاء في القرآن أنه إذا كان القول معروفًا فهو جائز... وأعتقد أنه جائز للمعرفة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالخاطب أجنبي عن مخطوبته، لا يحل له الخروج معها للنزهة، ولا غير ذلك، كما لا يحل له النظر إليها، أو الخلوة بها، ما لم يعقد عليها، فإذا عقد عليها حلّ له ذلك، أما القول المعروف الذي أشار إليه السائل، فلعله يقصد قوله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 32-33].

قال الإمام ابن كثير في تفسيره: هَذِهِ آدَابٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَنِسَاءُ الْأُمَّةِ ‌تَبَعٌ ‌لَهُنَّ ‌فِي ‌ذَلِكَ، فَقَالَ مُخَاطِبًا لِنِسَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِأَنَّهُنَّ إِذَا اتَّقَيْنَ اللَّهَ كَمَا أَمَرَهُنَّ، فَإِنَّهُ لَا يُشْبِهُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَا يَلْحَقُهُنَّ فِي الفضيلة وَالْمَنْزِلَةِ، ثُمَّ قَالَ: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}.
قَالَ السُّدِّي وَغَيْرُهُ: يَعْنِي بِذَلِكَ: تَرْقِيقَ الْكَلَامِ إِذَا خَاطَبْنَ الرِّجَالَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أَيْ: دَغَل، {وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} : قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قَوْلًا حَسَنًا جَمِيلًا مَعْرُوفًا فِي الْخَيْرِ.
وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّهَا تُخَاطِبُ الْأَجَانِبَ بِكَلَامٍ لَيْسَ فِيهِ تَرْخِيمٌ، أَيْ: لَا تُخَاطِبِ الْمَرْأَةُ الْأَجَانِبَ كَمَا تُخَاطِبُ زَوْجَهَا. وَقَوْلُهُ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أَيِ: الْزَمْنَ بُيُوتَكُنَّ فَلَا تَخْرُجْنَ لِغَيْرِ حَاجَةٍوَقَالَ ‌مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} وَالتَّبَرُّجُ: أَنَّهَا تُلْقِي الْخِمَارَ عَلَى رَأْسِهَا، وَلَا تَشُدُّهُ فَيُوَارِي قَلَائِدَهَا وَقُرْطَهَا وَعُنُقَهَا، وَيَبْدُو ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهَا، وَذَلِكَ التَّبَرُّجُ، ثُمَّ عُمَّتْ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّبَرُّجِ. تفسير القرآن العظيم (3/631).

والمقصود من ذكر هذا الكلام المتقدم: أنه إذا حصل كلام بين رجل وامرأة أن يكون على قدر الحاجة، وبالضوابط الشرعية ومنها: أن لا تخضع بالقول، وأن يكون قولاً معروفاً مع الخاطب، ومع غيره، أما إذا أراد الخاطب التعرف على خطيبته، فيمكن الجلوس معها مرة، أو مرتين حسب الحاجة، لكن لا بد من وجود محرم معهما: كأبيها أو أخيها أو عمها أو خالها… ولا يجوز له الخلوة بها بقصد التعارف حتى ولو كانت لا تخضع بالقول، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. رواه البخاري ومسلم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما. رواه أحمد، والترمذي، والحاكم.

قال المناوي في فيض القدير: لا يخلون رجل بامرأة، أي: أجنبية، إلا كان الشيطان ثالثهما بالوسوسة، وتهييج الشهوة، ورفع الحياء، وتسويل المعصية حتى يجمع بينهما الجماع، أو ما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه، والنهي للتحريم.

وفقك الله لما يحبه ويرضاه، وقد سبق جواب فيه تفصيل نحيلك عليه للفائدة وهو: 1151.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني