السؤال
شكراً لموقعكم الكريم في الإجابة على سؤالي السابق وأرجو منكم مرة أخرى الإجابة على هذا السؤال حيث يدعي بعض النصارى أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يكن أمياُ و ذلك في بعض المناقشات التي خضتها مع بعضهم فأرجو توضيح ما يلي وذلك حسب أسئلتهم المشككة أن الله سبحانه وتعالى كان يعلم أن نبينا كان أمياً فعندما نزلت الآية الكريمة "اقرأ باسم ربك الذي خلق " ورد الرسول على جبريل عليه السلام بـ ما أنا بقارئ على حد قولهم إن هذا إنكار في الإسلام لمعرفة الله سبحانه وتعالى بأن نبينا أمي فكيف يقول له جبريل عليه السلام اقرأ وهو يعلم أنه أمي و قد جاءوا بهذا الحديث كحجة لهم "عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد.
فأرجو ردكم الكريم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فوصف النبي صلى الله عليه وسلم بكونه أميا حقيقة ثابتة بنصوص محكمة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الحقيقة لا يمكن أن تنفيها أو تكدر صفوها دعاوى مغرضة أو شبهات زائفة تأتي من هنا أو هناك، ويشيعها بعض من أشربت قلوبهم بالباطل والضلال من النصارى أو غيرهم، وإننا ننصح هؤلاء بالتفكر فيما في كتبهم من الضلال البين والخطأ الواضح في كثير من عقائدهم ليرجعوا إلى الحق بدلا من توجيه جهدهم للطعن في الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام، وحالهم في هذه المحاولات كحال من قال فيه القائل:
كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وأما بخصوص ما ورد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة فليس فيه نفي لعلم الله السابق بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب، وبيان ذلك أن بعض أهل العلم قد حمل الأمر بالقراءة على أنه ليس من باب الطلب، وإنما تنبيها للنبي صلى الله عليه وسلم للتيقظ لما سيلقى عليه من كلام الله عز وجل، وعلى هذا فالأمر واضح. وذهب آخرون إلى أن الأمر على بابه من الطلب، ووجه هذا الطلب ما قاله الطاهر ابن عاشور في تفسيره " التحرير والتنوير " حيث قال: والأمر بالقراءة مستعمل في حقيقته من الطلب لتحصيل فعل في الحال أو الاستقبال، فالمطلوب بقوله:" اقرأ" أن يفعل القراءة في الحال أو المستقبل القريب من الحال، أي أن يقول ما سيملى عليه، والقرينة على أنه أمر بقراءة في المستقبل القريب أنه لم يتقدم إملاء كلام عليه محفوظ فتطلب منه قراءته، ولا سلمت إليه صحيفة فتطلب منه قراءتها، فهو كما يقول المعلم للتلميذ: اكتب، فيتأهب لكتابة ما سيمليه عليه. اهـ.
وأما حديث عائشة المذكور فمحمول على أحد وجهين: الأول: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن يأمر من يكتب، ونسبة الفعل إلى الآمر به ثابتة، ومن ذلك قول الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا { الزمر 42} هذا مع أن ملائكته هي التي تباشر الفعل. وعلى هذا الوجه فلا إشكال. والوجه الثاني: أنه أراد أن يكتب بنفسه، وهذا مما استدل به بعض العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم قد مكنه الله تعالى من تعلم الكتابة بعد أن بعث أميا. وهذا لا ينافي أصل بعثته أميا في أمة أمية. ويمكنك مراجعة تفصيل هذه المسألة بالفتويين: 28870، 78544.
وننبه إلى الحذر من التصدي لمحاورة أهل الباطل إلا من قبل من له قدم راسخة في العلم يستطيع بها دحض شبهاتهم. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 29347.
والله أعلم.