السؤال
الله يرضى عليكم يا شيخ أجيبوني بتفصيل ولا تحيلوني إلى فتاوى سابقة، أولاً إذا اكتسب شخص ماله من حرام لكن أخذ قدر ضرورته وكان مضطراً ثم أراد أن يزكي فأدى زكاته إلى شاب لا يعمل ولم يجد عملا، علما بأنه لم يمل من البحث وإذا وجد هذا العمل فلن يكفيه لشراء مسكن وإتمام مراسيم الزفاف، لان في بلدنا الظروف قاسية وكثير من شباب الثلاثين والخمسة وثلاثين لا يستطيعون الزواج رغم أنهم يشتغلون, علما بأن هذا الشاب يملك النصاب من المال، لكن لا يكفيه لسد حاجته إلا لبعض الشهور لأنه ليس له دخل وهو يستهلك من هذا المال الآيل إلى النفاد إذ إنه في أيام عديدة لن يعود نصابا لأنه يتقوت منه, فهل يعتبر هذا المال طيبا لهذا الشاب البطال أم أنه وجب أن يتلف, أولى أن يستفيد منه هذا الشاب الذي يريد العفاف ولم يجد رغم تخطيه عتبة الـ 26 أم يجب إتلافه، ثانيا: هل يؤثم الشخص المضطر الذي أخذ هذه الزكاة أم يأثم مؤديها؟ في الأخير أشكركم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن اكتسب مالاً حراماً فإن الواجب عليه أن يتخلص منه؛ لأن ذلك جزء من توبته، والتخلص منه يكون برده إلى مالكه إن كان له مالك معروف أو لورثته، فإن لم يعرف له مالكاً صرفه إلى القاضي العادل ليصرفه في مصالح المسلمين، ومن ذلك الفقراء والمساكين، فإن لم يكن القاضي بهذه الصفة صرفه لرجل صالح في البلد يقوم بذلك، فإن لم يتمكن من ذلك صرفه بنفسه، وله أن يأخذ منه بقدر ضرورته وحاجته، ويتخلص من الباقي كله بصرفه في المصالح، ومن ذلك إعطاء محتاج إلى الزواج ولا يكون ما قام به زكاة بل تخلصا من الحرام، قال الإمام النووي في المجموع: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه -فإن كان له مالك معين- وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتاً وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة، كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق مكة، ونحو ذلك مما يشترط المسلمون فيه، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء، وينبغي أن يتولى ذلك القاضي إن كان عفيفاً، فإن لم يكن عفيفاً لم يجز التسليم إليه، فإن سلمه إليه صار المسلم ضامناً، بل ينبغي أن يحكم رجلاً من أهل البلد ديناً عالما، فإن التحكيم أولى من الانفراد، فإن عجز عن ذلك تولاه بنفسه، فإن المقصود هو الصرف إلى هذه الجهة، وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراماً على الفقير، بل يكون حلالاً طيباً، وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيراً، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته لأنه أيضاً فقير.
وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب، وهو كما قالوه، نقله الغزالي أيضاً عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف، عن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع، لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر، فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإذا تخلصت من المال الحرام بصرفه في المصالح، وكان الذي أخذته لحاجتك أقل من النصاب عند نهاية الحول فلا زكاة عليك فيه، وإن كان نصاباً لزمتك زكاته، ونوصيك بالاجتهاد في أخذ قدر الحاجة فقط من المال الحرام دون زيادة والتخلص من الباقي، ولا مانع من إعطاء المحتاج إلى الزواج من الزكاة بقدر ما يكفيه لزواجه بلا إسراف ولا تبذير، ففي نهاية المحتاج: أفتى ابن البزري بأنه.... لو احتاج للنكاح ولا شيء معه فيعطى ما يصرف فيه. أي يعطى من الزكاة، ولا يمنع من إعطائه كونه يملك نصاباً وتجب عليه زكاته؛ لأن الشخص يمكن أن تجب عليه الزكاة ويلزمه إخراجها لكون الحول حال على نصاب عنده، ويعطى من الزكاة لأنه يستحقها لحاجته إلى أكثر مما عنده من المال الذي يدخره لشراء مسكن أو مركب أو زواج ونحو ذلك.
والله أعلم.