السؤال
سمعت من إحدى الفضائيات أن المال الحرام يجعل الإنسان جوارحه تعصي غصبا عنه فما تفسير ذلك، وهل عدم الاقتناع بهذا الكلام له تأثير علي العقيدة، وأنا أعلم أنه لا جبر للإنسان على المعصية فكل معصية هي بإرادة الإنسان فإن كان هذا الإنسان قد اكتسب مالاً حرام فإنه سيعاقب عليه ولا ارتباط بين الذنوب وبعضها وقد يأكل الإنسان من حرام وهو لا يعلم أو يكون عمله فيه شبهة مثل من يعمل في البنوك مثلا أو من يعمل في مجال الغناء مثلا، فهل هذا يجعل جوارحه تعصي غصبا عنه، وما الدليل على صحة هذا الكلام أو عدم صحته من الكتاب والسنة؟ وجزاكم الله خيراً.. وأرجوكم سرعة الرد فإني حائر جداً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس من شك في أن أكل الحرام له عواقب وخيمة، منها: الحرمان من إجابة الدعاء، كما صح بذلك الحديث، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وذكر الرجل أشعث أغبر، يطيل السفر، يمد يده إلى السماء يقول: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له.
ومن آثار ارتكاب المحرمات -ومنها أكل الحرام- مرض القلب أو موته الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الوارد في الصحيحين عن النعمان بن بشير فإنه قال في أوله: الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات.. ثم قال في آخر الحديث: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله... الحديث. فإن في ذلك إشارة ظاهرة إلى الارتباط بين فساد القلب وبين فعل المحرمات وأكل الحرام، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به. رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح.
وقد ورد في الأثر عن سهل بن عبد الله التستري رحمه الله أنه قال: من أكل الحلال أطاع الله شاء أم أبى، ومن أكل الحرام عصى الله شاء أم أبى. وهذا الأثر لم نقف على من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا على من صححه، وبالتالي فإننا لا نورده كدليل على الموضوع المسؤول عنه، وإنما نورده استئناساً فقط، وعلى أية حال فإن ما تقدم من الأحاديث الصحيحة يدل على شؤم المعصية، وأن عاقبتها سيئة على صاحبها، ومن ثم فإنه لا يستبعد وجود ارتباط بين الذنوب، خصوصاً أنه قد ثبت أن الإيمان يزداد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولا شك أن نقصان الإيمان سبب في الوقوع في المعاصي، وبالجملة فما سمعته من إحدى الفضائيات له نصيب من النظر، إلا أننا لا نقول بأن عدم الاقتناع به يؤثر على العقيدة، لأن الظاهر أن حامل المتكلم على عدم الاقتناع به هو عدم وجوده لدليل عليه.
والله أعلم.