الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه يشترط لنفاذ هبة هذا الأب لأبنائه وبناته شرطان:
1. أن تحاز عنه الهبة حوزا شرعيا بحيث يصبح الموهوب له يتصرف فيها تصرف المالك في ملكه في حياة الواهب، وفي حال تمتعه بمؤهلات التصرف ولم يصب بمرض مخوف. أما إذا لم تتم حيازة الهبة في حالة أهلية الواهب للتصرف، فإنها لا تمضي، فقد روى مالك في الموطأ أن أبا بكر رضي الله عنه وهب لعائشة رضي الله عنها هبة ولم تقبضها حتى أصيب بمرضه الذي توفي فيه، فقال لها: إنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك، فاقسموه بينكم على كتاب الله تعالى.
2. تسوية الأولاد في الهبة، فإن تخصيص بعض الأبناء بالهبة دون البعض لا يصح على الراجح من أقوال أهل العلم. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلا أحداً لفضلت النساء. رواه البيهقي، وحسنه الحافظ في الفتح. ولما في الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال: نحلني أبي نحلا ثم أتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده فقال: أكل ولدك أعطيته هذا؟ قال: لا. قال: أليس تريد منهم البر مثل ما تريد من ذا؟ قال: بلى. قال: فإني لا أشهد. وهذا لفظ مسلم.
والظاهر أن هذين الشرطين لم يتوفر أي منهما فيما ذكرته؛ لأنك ذكرت أن الأب هو وحده الذي له الحق في الإيداع والسحب، وأنه كان يريد قسمة الأرض الزراعية بين أولاده بالتساوي، وكان وحده الذي يملك حق التصرف في المزرعة والجرار والعربة... أي أن أيا شيء من هذه الأمور لم يحز عنه.
وأنه أيضا لم يسو بين الأولاد في هذه الهبات.
وعليه، فإنها تعتبر جميعها باطلة، والواجب قسمة جميع متروكه على الفريضة الشرعية.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.