الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يقبل توبتنا وتوبتك ويغفر ذنوبنا جميعاً، والحمد الله الذي يسر لك ولزوجتك التوبة قبل فوات الأوان، واعلم أن من أراد أن يتوب إلى الله تعالى من السرقة فلا بد أن يبذل قدر طاقته ووسعه في رد المسروقات إلى أصحابها، فإن عجز عن معرفة أصحابها بعد محاولات متكررة وبحث جاد فليتصدق بتلك المسروقات، على أنه متى ما وجد أصحابها خيرهم بين أن يرد عليهم مثل ما أخذ منهم أو قيمته وبين أن يقبلوها صدقة عنهم.
ثم إن عليه أن يكثر من أعمال البر، فإن أصحاب الحقوق قد يطالبونه بها يوم القيامة، والله حكم عدل فقد يوفيهم إياها من حسناته، فعليه أن يكثر من الحسنات، وعليه فالواجب فيما كنت تستقطعه من الأموال من العمل الذي تعمل به، وما كنت تزيده على سعر ما اشتريت به، وما تستفيده من فارق السعر في البيع أو في دفع ما سميته إكراميات.. فإنه يجب أن يرد إلى الجهة التي كنت تعمل عندها، لأنها هي المالكة له في نفس الأمر.
وإذا كنت لا تعرف قدره فالواجب أن تحتاط، لأن الذمة لا تبرأ إلا بمحقق، وإذا كان دخلك الآن لا يكفي لإخراج هذه الحقوق فالواجب أن تقتصر في معيشتك على قدر الحاجة، ولا تأخذ بالكماليات حى تقضي عنك هذه الحقوق، وإذا كان الاقتصار على الحاجيات لا يكفي للتوفير فإنك تعتبرها ديوناً قد ترتبت في ذمتك وتنوي قضاءها متى وجدت إلى ذلك سبيلاً.
وفيما يخص موضوع الزنا وما صاحبه من إجهاض فإنها -في الحقيقة- آثام كبيرة، ولكنك إذا أخلصت في التوبة إلى الله، فنرجو أن يكون ذلك كفارة لها، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. كما روى ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان الإجهاض حصل قبل تخلق النطفة فلا كفارة على من باشر الإجهاض غير التوبة النصوح، وإن كان حصل بعد التخلق كما إذا حصل بعد أربعين فما فوق فعلى من باشره غرة (عبد أو وليدة) فإن لم توجد فعشر دية أم الجنين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في إسقاط الجنين بغرة (عبد أو أمة) كما في البخاري.
واختلف العلماء في وجوب صيام شهرين متتابعين، فمنهم من قال بالوجوب قياساً على قتل النفس، ومنهم من لم يقل بالوجوب مستدلاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر عنه ذلك، والغرة المذكورة يرثها ورثة الجنين الشرعيين وليس منهم أمه إذا كانت ممن باشر الإجهاض، علماً بأن ليس له نسب إلا من جهة أمه، لأنه ابن زنا، فالباقي بعد الأم من الغرة أو الجدة إذا لم تكن الأم وارثة، يصرف في مصالح المسلمين، لأن وارثه هو بيت مال المسلمين لو كان موجوداً ومنتظماً.
والله أعلم.