الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ورد في السؤال جملة من الأمور التي ينبغي التوقف عند كل منها، وهي قولك:
إنه حين يوضع العجين في الفرن، فإن الخميرة تفرز مادتين إحداهما هي الكحول الإيثيلي، وهو نفسه الموجود في الخمور.
وقولك: إن مجموعة من العلماء يقولون: إن أي منتج يستعمل في إنتاجه الخمر، فإنه يكون حراما، بينما ترى مجموعة أخرى خلاف ذلك.
وقولك: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: أنه لم يأكل خبزا مرققا حتى لقي الله، وأنت تظن أن الدقيق لا يفرز الخميرة إن كان غير منخل.
وقولك: فلو كان استعمال الخمر حراما لأي غرض كان، فهل يكون صنع الخبز الذي نأكله اليوم حلالا؟
وللرد على جملة هذه الأمور نقول: إنه قد ثبت في الطب الحديث أن الكحول الإيثيلي هو الجزء الفعال في الخمر في جميع أشكاله، وأن كل شراب يحوي الكحول الإيثيلي تكون له صفة الإسكار وإن تفاوتت النسبة في ذلك.
وإذ تقرر هذا فاعلم أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم قد تواطأت على أن كل شيء ثبتت له صفة الإسكار فإنه يعتبر خمرا، وأن كل خمر حرام. أخرج الإمام مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام.
وتحريم الخمر هو مما علم من الدين ضرورة، ولا التفات إلى من يقول بغير ذلك. اللهم إلا أن يقصد هؤلاء إباحة الخمر للضرورة، كما في إساغة غصة ونحو ذلك، فهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات.
ولكن العجين إذا كان بوضعه في الفرن يفرز من بين ما يفرزه مادة الكحول الإيثيلي، وهذا الكحول يتبخر ولا يبقى منه شيء في الخبز، فإنه لا يعتبر بذلك حراما؛ لأن الكحول لم تدخل في تركيبته، ونحن لسنا مسؤولين عن التغيرات الكيماوية التي تحصل له أثناء الشي أو الطبخ، طالما أنه لم يبق على هيئة مسكرة بعد النضج.
ثم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه لم يأكل خبزا مرققا حتى لقي الله، إذا كان سببه هو ما ظننته أنت من أن الدقيق غير المنخل لا يفرز خميرة، فلماذا لم يحرم النبي صلى الله عليه وسلم أكل الدقيق المنخل؟!
ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم جاء مبلغا عن الله، ولا يجوز له كتمان شيء من هذا الدين.
فنستخلص من هذا أن الخبز الذي نأكله اليوم حلال وليس بحرام، ما لم يكن قد وجد في تركيبته عناصر محرمة؛ أو صيره الشي مسكرا.
والله أعلم.