الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فصحيح أن اجتماع الرجال والنساء تحت سقف واحد ليس هو مناط التحريم، فقد كان الرجال والنساء يظلهم جميعا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال: كان رجال يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان، ويقال للنساء: لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وإنما نهي النساء عن ذلك لئلا يلمحن عند رفع رؤوسهن من السجود شيئا من عورات الرجال. اهـ.
ولكن ادعاء أن قول الله تعالى: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب. هو خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر رأيا مجانبا للصواب، وذلك لعدة أمور منها:
1. أن الله تعالى إذا كان قد أوجب الحجاب على نساء النبي وهن الخيرات الطاهرات المبرآت اللواتي اختارهن الله أزواجا لنبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة معللا ذلك بقوله: ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن، فما بالك بنساء هذا الزمان الذي كثر فيه أعوان الشيطان، وانتشر فيه الفسق وعم فيه الفجور واستبيحت فيه المحارم.
2. أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
3. أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يتناول جميع الأمة إلا لمخصص، قال صاحب مراقي السعود:
وما به قد خوطب النــبي * تعميمه في المذهب السني
وإذا تقرر ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب الخصوصية العظمى، فكيف تقصر الآية المذكورة على نساء النبي صلى الله عليه وسلم دون مخصص؟!
كما أن استدلاله بالاختلاط في الحرم على جواز الاختلاط في غيره من باب أولى هو أيضا أبعد ما يكون عن الصواب؛ لأن الاختلاط في الحرم المكي قد أوجبه وجود ذلك الكم الهائل من البشر في رقعة أرض ضيقة، لتأدية عبادة في وقت محدد. وهي عبادة يحف بها من المشقة والتكاليف ما لا يخفى على أحد، فكان الناس معذورين فيما يحصل فيها من غير قصد.
فيستنتج من هذا -إذاً- أن الاختلاط في الجامعات أو في غيرها على الوجه المعروف للاختلاط اليوم لا يصح أن يقول بجوازه مسلم، وأن القول به يعتبر منكرا من القول.
والله أعلم.