الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فملخص ما فهمناه من السؤال هو أنك تعمل في توصيل البضاعة إلى المستشفيات، وأنك في أحد الأيام كان عندك ثلاث طلبات، أوصلت منها اثنتين ولم توصل الثالثة، لأنهم لم يقبلوا منك استلامها إلا بعد أن تمضي عشرون يوماً، ثم قمت بوضع تلك البضاعة في البيت في انتظار الوقت الذي يحين فيه استلامها، وفي أثناء ذلك سافرت ونسيت الموضوع، ولما اطلع المدير على أن البضاعة لم تصل، رفع شكوى إلى الجهات الأمنية ضدك وضد أختك يتهمكما فيها بالسرقة، ثم أوصل أخوك البضاعة إلى المستشفى وعفا المدير عنك دون أختك، فأردت أنت تخليص أختك من ذلك فحلفت على المصحف أمام المحكمة أنك أنت الذي استلمت البضاعة، وأنك سلمتها إلى الجهة المراد توصيلها إليها.
فإن كان هذا هو الذي أردت كتابته في السؤال، فإن ما حلفت عليه لم يختلف عن واقع المسألة إلا في أنك أنت الذي أوصلت البضاعة، والصحيح أن أخاك هو الذي أوصلها، وكان في الإمكان أن تذكر القصة بحقيقتها، لأن تأخير الإيصال كان بسبب الجهة المرسل إليها، ولأنك أنت سافرت فلم تعد مسؤولاً عن الإيصال قبل أن تعود، وعلى أية حال فإن الحلف على الكذب ذنب عظيم وإثم كبير، ولا سيما إذا كان مغلظاً بإحضار المصحف والحلف عليه، ومن حلف بالله كاذباً متعمداً فقد ذهب الجمهور إلى أنه لا كفارة عليه، إذ أنه أتى بذنب أعظم من أن تمحو أثره مجرد كفارة يمين، وإنما الواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى مما ارتكبه وتجرأ عليه.
وذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى وجوب الكفارة عليه، لعموم قوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ {المائدة:89}، ولعل الجمع بين التوبة والكفارة أسلم، إعمالاً للنصوص كلها، وخروجاً من خلاف أهل العلم ولأن موجب كل من التوبة والكفارة قائم فلا يغني أحدهما عن الآخر.
أما بالنسبة للحلف على الكذب فقد رُخص فيه فيما إذا تعين للوصول إلى حق أو لدفع ضر بحيث لا يتحقق ذلك بدون الكذب، والدليل على جواز الكذب في هذه الحال حديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً. متفق عليه.
وبما أنك ذكرت أن الحامل لك على الحلف هو رجاء تخليص أختك من ظلم كانت ستقع فيه، فنرجو أن لا يكون عليك من حرج في هذه اليمين، وعليك أن تكفر عن اليمين احتياطاً كما قدمنا.
والله أعلم.