الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس من شك في أن ما كنت تقومين به من الدعاء بالموت على أمك، ومن الرد عليها إذا واجهتك بقسوتها... يعتبر ذنباً بالغاً في القبح والفظاعة والعياذ بالله، فكيف تنسيك قسوتها أنها قد حملتك في بطنها تسعة أشهر، وعانت بسبب ألم الحمل، وطلقات الوضع وشدته، وأرضعتك حولين كاملين، وسهرت لسهرك وتألمت لتألمك، وكانت تسعى ليل نهار في مصالحك في زمن لم تكوني فيه قادرة على رفع الضر عن نفسك.
وكيف تنسيك قسوتها وصية الله بها في قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}، وقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}.
وعلى أية حال فإن من واجبك أن تتوبي إلى الله توبة صادقة، ولا شك أن ما أنت فيه من الخوف من عقاب الله ومن الحزن الشديد يعتبر بداية جيدة للتوبة، وعليك أن تواظبي على الدعاء لأمك بالرحمة والمغفرة، وأن تنفذي عهدها إذا كانت قد عهدت بشيء، وأن تصلي الرحم التي لا توصل إلا بها، وأن تكرمي صديقاتها.
فقد جاء في الحديث الشريف أن رجلاً قد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله؛ هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما. رواه أبو داود.
وفيما يخص أولئك الذين قلت إنهم يظنون بك خيراً، ويحسبون أنك كنت بارة بأمك فلا داعي إلى إخبارهم بالحقيقة، بل إننا لا نرى ذلك مشروعاً، فإن ديننا يدعو إلى الستر، ولكن ينبغي أن لا تغتري بكلامهم، وأنت أدرى بحقيقة الأمر، ونسأل الله تعالى أن يقبل توبتك ويزيل وحشتك.
والله أعلم.