الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف الفقهاء فيما ترى المرأة من الدم بعد الخمسين هل يمكن اعتباره حيضاً أم لا؟ والسبب في ذلك اختلافهم في تقدير سن اليأس، فيرى الحنابلة أن ما تجده بعد الخمسين لغاية الستين إن كان على العادة التي كانت تراه فيها اعتبر حيضاً على الصحيح، فيمنع الصلاة والصيام ومس المصحف وغير ذلك مما يمنع على الحائض، وإن لم يكن على العادة التي كانت تراه فيها لم يعتبر حيضاً بل هو دم فساد وعلة لا تترك له الصلاة ولا الصيام، ولا يمنع ما يمتنع على الحائض.
قال ابن قدامة رحمه الله: وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التي كانت تراه فيها فهو حيض في الصحيح، لأن دليل الحيض الوجود في زمن الإمكان، وهذا يمكن وجود الحيض فيه، وإن كان نادراً، وإن رأته بعد الستين فقد تيقن أنه ليس بحيض لأنه لم يوجد ذلك. انتهى.
وفي المذهب المالكي يعتبر ما تجده المرأة من الدم فيما بين الخمسين والسبعين مشكوكاً فيه يرجع فيه إلى قول النساء العارفات هل هو حيض أم لا، وفيما بعد السبعين لا يعتبر حيضاً قطعاً. قال في منح الجليل ممزوجاً بمتن مختصر خليل في الفقه المالكي: (و) رجع للنساء في (ما تراه الآيسة) أي المشكوك في يأسها وهي من بلغت خمسين سنة ولم تبلغ سبعين (هل هو حيض) وصلة رجع (للنساء) العارفات بأحوال الحيض، فمن بلغت السبعين دمها غير حيض قطعاً، ومن لم تبلغ الخمسين دمها حيض قطعاً فلا يسأل النساء فيهما، والظاهر أن المراد بذات السبعين الموفية لها، وقوله: للنساء الجمع فيه غير مقصود فيكتفي بواحدة لأنه من باب الخبر لا الشهادة. انتهى.
وبناء على مجمل كلام هؤلاء في هذه المسألة من أن ما ترى المرأة من الدم بعد الخمسين يعتبر حيضاً إذا جاء على العادة التي كانت يأتي عليها أو حكمت ذوات الخبرة من النساء بأنه حيض فإننا نرى أن النزيف الذي حصل مدة خمسة عشر يوماً إن كانت له مواصفات الحيض اعتبرت تلك الفترة كلها فترة حيض يجب قضاء صيامها لعدم صحة الصيام أثناء الحيض، ومن العلماء من ينظر للعادة فما زاد عليها لم يعتبره حيضاً؛ إلا أن يتكرر ذلك ثلاث مرات؛ كما سبق بيانه في آخر الفتوى رقم: 99960.
ومنهم من يرى أنها تجلس عادتها فإذا زاد عليها ضمت إليها ثلاث ليال احتياطاً فإذا لم ينقطع اعتبرت الزائد استحاضة، وإن لم توجد أي مواصفات للحيض ولم تجزم ذوات الخبرة من النساء بأنه حيض اعتبر ذلك كله دم فساد وعلة لا يمنع صحة الصوم، وبالتالي فلا يجب القضاء هنا، لو قضت هذه الأيام احتياطاً كان ذلك أبرأ للذمة.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 43759، والفتوى رقم: 59440.
والله أعلم.