الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أخرج ابن ماجه عن عمر بن الخطاب قال: إن آخر ما نزلت آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ولم يفسرها لنا، فدعوا الربا والريبة. وهذا الحديث قد قال عنه الشيخ الألباني إنه صحيح.
ولكنه مع صحته لا يتعارض مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك... الحديث.
فكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تركنا على المحجة البيضاء ليس معناه أنه قد فسر كل شيء وحدد كل شيء؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما ساغ الاختلاف بين أهل العلم.
وليس من شك في أنه صلى الله عليه وسلم قد بين وفسر جميع ما أمر بتفسيره وتبليغه، وأما ما لم يؤمر بتبليغه فقد تركه رحمة بالأمة ولحكم يعلمها الله.
فمن ذلك ما كان يريد أن يكتبه لما اشتد عليه الوجع في مرض موته ولم يكتبه. فقد أخرج البخاري عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع.
ومنه نهيه صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال والاستفصال في المسائل التي لم يفصلها، كما في الصحيحين عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس؛ قد فرض الله عليكم الحج فحجوا. فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم.
ومن هذا أخذ بعض العلماء قاعدة هي أن: ترك الاستفصال ينَزَّل منزلة العموم.
قال في مراقي السعود:
ونزلن ترك الاستفصـــال * منزلة العموم في الأقوال.
وراجع في كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفسر جميع الآيات، وفي المزيد عما تقدم الفتوى رقم: 63097، والفتوى رقم: 71379
والله أعلم.