الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن صلة الرحم من الأمور التي حث عليها الدين الحنيف ورغب فيها، وحذر من قطعها، بل قرن الله تعالى قطع الأرحام بالفساد في الأرض الذي هو من أكبر الكبائر، فقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ.[محمد: 22].
على إننا ننبهك على أمر هام وهو أن استحباب أو مشروعية ما سبق من صلة أولاد عماتك وخالاتك الذكور مشروط بعلم زوجك وإذنه لك ورضاه عن ذلك، إذ حقه في الطاعة مقدم على صلتك لهؤلاء لأن طاعته واجبة وصلتهم مستحبة.
قال ابن قدامة في المغني : وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى مَا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ سَوَاءٌ أَرَادَتْ زِيَارَةَ وَالِدَيْهَا ، أَوْ عِيَادَتَهُمَا ، أَوْ حُضُورَ جِنَازَة أَحَدِهِمَا . قَالَ أَحْمَدُ ، فِي امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ مَرِيضَةٌ : طَاعَةُ زَوْجِهَا أَوْجَبَ عَلَيْهَا مِنْ أُمِّهَا ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ بَطَّةَ ، فِي " أَحْكَامِ النِّسَاءِ " ، عَنْ أَنَسٍ ، { أَنَّ رَجُلًا سَافَرَ وَمَنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ الْخُرُوجِ ، فَمَرِضَ أَبُوهَا ، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيَادَةِ أَبِيهَا ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقِي اللَّهَ ، وَلَا تُخَالِفِي زَوْجَك . فَمَاتَ أَبُوهَا ، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُضُورِ جِنَازَتِهِ ، فَقَالَ لَهَا : اتَّقِي اللَّهَ ، وَلَا تُخَالِفِي زَوْجَك .فَأَوْحَى اللَّهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي قَدْ غَفَرْت لَهَا بِطَاعَةِ زَوْجِهَا } . وَلِأَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاجِبَةٌ ، وَالْعِيَادَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ. اهـ
وان كان زوجك يرفض ذلك فالتمسي له عذرا، فلعله يغار أو يخشى عليك الفتنة ونحو ذلك. وان لم يكن له عذر فالحرج عليه لا عليك.
يقول ابن قدامة مستدركا بعد كلامه السابق : وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ عِيَادَةِ وَالِدَيْهَا، وَزِيَارَتِهِمَا ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَطِيعَةً لَهُمَا وَحَمْلًا لِزَوْجَتِهِ عَلَى مُخَالِفَتِهِ ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ .اهـ
على أن الواجب والأولى أن يكون سلوكه كذلك في علاقتك بإخوته الذكور فقد ورد في الصحيحين أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ. والحمو: أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه.
فالواجب عدم التساهل في الاختلاط بهم والإكثار من الحديث معهم والترحيب بهم ونحو ذلك مما قد يجر إلى الفتنة.