خلاصة الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس من شك في أن ما ذكرته عن أبيك من حرمانك وإخوتك من الميراث، واستيلائه على مهرك، وتقصيره في الإنفاق على أولاده... كلها أمور لا تشرع له في الأحوال العادية.
ولكن في المقابل ينبغي التنبيه إلى أن الوالد إن كان محتاجا فله أن يأخذ من مال ولده بقدر حاجته، لما روى الحاكم والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولادكم هبة الله لكم، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم.
كما أن على الولد أن يحسن إلى والده وإن كان الوالد مسيئا؛ لأن رضا الوالد سبب لرضا الله تعالى عنه، وسخطه سبب لسخط الله تعالى عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: رضا الله من رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد. رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
وفيما يخص ما ذكرته عن الفلوس التي أخذتها من مال أبيك دون علمه، وما إذا كان عليك أن ترديها أم لا، فإن الجواب على ذلك يتوقف على معرفة ما إذا كان من حق أبيك أن يأخذ شيئا من مالك لكونه محتاجا أو لكونه يصرف ذلك عليك وعلى إخوتك، أو لكونه قد جهز لك منه بيت الزوجية أو غير ذلك... أم أن ذلك ليس من حقه.
فإذا كان أخذ المال بغير حق، أو أخذ منه أكثر مما له الحق فيه، فمن حقك استرجاع ما زاد على حقه منه.
وإذا تقرر حقك في استرجاع المال منه، فلك أن تسترجعيه متى ظفرت به. وقد بينا من قبل مذاهب العلماء فيمن ظفر بحقه ممن ظلمه، ولك أن تراجعي فيها فتوانا رقم: 28871.
وأما إذا قلنا بعدم استحقاقك لهذه الفلوس فإن عليك أن ترجعيها للوالد، أو ترجعي له منها ما ليس لك فيه حق.
والأحوط أن ترجعيها إليه مباشرة، ولكن لا يلزم التصريح له بأنك كنت قد أخذتها من ماله.
وأما صرفها على إخوتك فإن القول به يتوقف على معرفة ما إذا كانت نفقتهم تلزم الوالد أم لا، وما إذا كان الذي تصرف فيه هو مما يلزم الوالد أم لا.
وأخيرا نوصيك بالبر بأبيك والإحسان إليه، وعدم مؤاخذته في أية إساءة؛ فإن حقه عليك عظيم.
والله أعلم.